الأزهر ، وهو أصح ما يكون جسما وعقلا ، فكان لهذه الفجاءة أثر في النفوس لم نشهد مثله لأحد قبله ، لأن الناس كانوا أحوج ما يكونون إلى مثله في هذا العهد من الانتقال ، وفي هذا الدور من الاعتراك بين القديم والحديث ، وكان الأستاذ بشخصيته الممتازة ، وسعة أفقه الثقافي خير من يدرك آثار هذا العهد في حياة الأمم ، وأصلح من يوكل إليه أمر التوفيق بينهما لمصلحة الدين والدنيا معا. فلا غرو إن ساور الهلع كل نفس تنتظر عهد الاستقرار والهدوء والتقدم. لم أر فيمن قابلت من القادة والأعلين أكرم خلقا في غير استكانة ، ولا أهدأ نفسا في غير وهن ، ولا أكثر بشاشة في غير رخوة ، من الشيخ مصطفى عبد الرازق ، وكل ذلك إلى حزم لا يعتوره لوث ، واحتياط لا يشوبه تنطع ، وأناة لا يفسدها فتور ، وإدمان على العمل ينسى معه نفسه ، وهي صفات كبار القادة. وعلية المصلحين ، ممن خلقوا لمعالجة الشؤون المعقدة ، وحسم المنازعات الشائكة ، والتوفيق بين المطالب المتنافرة ، وهذه مواقف كما تقتضي مضاء العزيمة ، تحتاج إلى هوادة الأناة ، وكما تستدعي سرعة البت ، لا بد لها من القدرة على إزالة الحوائل ، وقديما قالوا : رب عجلة أورثت ريثا ، ورب إقدام جر إلى نكوص ، فكان بما حباه به بارئه من هذه المواهب النادرة ، كفاء المهمة التي وفق المسؤولون في إسنادها إليه ، وكنت لا أشك في أنه بما جبل عليه من حب الإصلاح ، وما اتصف به من الصفات التي سردناها آنفا ، سيصل إلى حل مشكلة الأزهر حلا حاسما ، يعيش تحت نظامه آمنا شر العوادي ، وفي منجاة من عوامل القلق والاضطراب. ذلك أنه بما تضلع من إلمام بنظم الجامعات ، وما حصل من علم بمقوماتها وحاجاتها ؛ لتمضيته في صميمها سنين طوالا من حياته طالبا ومدرسا ، يعرف من أسرار حياتها وبقائها وبواعث عللها وأعراضها ، ما لا يعلمه إلا الأقلون ، والأزهر لا يخرج عن جامعة قديمة في دور انتقال ، تتفاعل لتتناسب والعهد الذي تعيش فيه ، فهي في حاجة إلى أن تحصل على المقومات التي تؤاتيها بهذا التناسب ، وهو لا ينحصر في زيادة ميزانيتها ، ولا في تهذيب برامج