الفاطمي علانية لأنه الوسيلة المناسبة التي يستطيعون بها الدخول على سائر الشعب المصري ، الذي كانت تهيمن عليه السنة ومذاهبها سيما المذهب الشافعي منها ، ولأن حاجة الناس الى الفقه ماسة ، ينظمون به شؤونهم ويحددون به أحوالهم الشخصية وما يتبعها من حقوق وواجبات ، سيما وأن هذا الفقه في قضاياه ليس بعيد الخلاف مع السنة ، بعد مزج التعاليم الشيعية وفلسفتها مع مبادىء التوحيد الإسلامي ، وكان يقوم بكل هذا العلماء المعينون وأتباعهم وكانوا يمنحون مرتبات شهرية ، وجعلوا ذلك بابا من أبواب الدعوة .. وكان القائم بهذه الدعوة هو داعي الدعاة ، وهو من كبار الموظفين ، وكان يلي قاضي القضاة في الرتبة ويتزيّا بزيه ، وكانت وظيفة قاضي القضاة وداعي الدعاة تسندان في كثير من الأحيان إلى رجل واحد ، وقد خصص لداعي الدعاة قسم كبير من قصر الخلفاء الفاطميين ، وكان يساعده في نشر تعاليم الفاطمية اثنا عشر نقيبا ، كما كان له نواب ينوبون عنه في البلاد بلغ عددهم مائة وواحدا وخمسين ، وكان فقهاء الدولة البارزون في الشريعة الإسلامية تحت نفوذه وله مكان خاص بالقصر هو (دار العلم) ، فكانوا يتصلون به ويتلقون عنه الأوامر ويقدمون إليه في يوم الاثنين ويوم الخميس ما أعدوه للمحاضرة في أصول المذهب الفاطمي وكانت المحاضرات تعرض قبل إلقائها على الخليفة فيقرؤها ويذيلها بإمضائه ثم تبلغ اليهم عن طريق (داعي الدعاة) وهو الذي يعرضها بنفسه على الخليفة. وكان الداعي فوق هذا يعقد
المجالس ويقرأ على الناس من مصنفاته ، وكان يجلس على كرسي الدعوة في الإيوان الكبير فيحاضر الناس ، ويعقد للنساء مجلسا خاصا بالأزهر ، وفيه يلقنهن أصول مذهب الإسماعيلية أو الفاطمية.
ولم يكن ذلك كل ما قام به الفاطميون في نشر مذهبهم ، فكانت هناك مجالس تعرض على الناس كل على حسب طبقته ، فكان لأهل البيت مجلس ، وللخاصة مجلس. وشيوخ الدولة مجلس ، وللعامة والطارئين مجلس ، والوافدين من البلاد الأجنبية مجلس.