الأصول والقواعد ومراعاة المصالح ، ولا يقنعون بنقل الأقوال دون أن يتناولوها بالنقد والمناقشة.
ويدلنا التاريخ القريب على أن بعض رجال الدولة التونسية عندما اتجهوا الى إصلاح الحالة السياسية أو العلمية أو الاجتماعية ، وجدوا فقهاء يدركون مقتضيات العصر ، ويعرفون كيف تسعها أصول الشريعة بحق ، فكانوا يعقدون منهم بعض لجانهم ، ويستنيرون بآرائهم مثل أساتذتنا : عمر ابن الشيخ ، وسالم أبو حاجب ، ومصطفى رضوان ، وما زال الرسوخ في الفقه ، وربط الأحكام بأصولها ، من مواضع عناية الأساتذة في جامعة الزيتونة لهذا العهد ، يشهد بهذا ما نقرؤه في محاضراتهم ومقالاتهم التي تنشر في الصحف التونسية والمصرية.
كانوا يدرسون الفقه بأنظار مستقلة ، وآراء تستضيء بالأدلة ويتفاضلون فيها على قدر تفاضلهم في العبقرية وسمو الهمة ..».
لا شك كان محمد الخضر حسين علما من أعلام الفكر المغربي الإسلامي ، مكافحا وطنيا ، ومغتربا في سبيل الحفاظ على حرية الكلمة ، وأقام كابن خلدون بقية عمره في مصر ، ورقي فيها إلى أعلى المناصب ، وعمل في ميداني الإصلاح الإسلامي والقياسي اللغوي ، وعمل في التدريس والصحافة والكفاح الوطني ، ولقد أتيح له أن يقاوم حركات التغريب بدعوته إلى إنشاء جمعية الشبان المسلمين ، وكانت مجلته وقلمه من ألسنة الدفاع عن المغرب وقضاياه ، ومعلما قويا يستصرخ المشارقة حين يكشف لهم عن مؤامرات الاستعمار ويدعوهم إلى مقاومة التغريب والتجنيس والفرنسة ، فهو منذ أقام في مصر بعد الحرب العالمية الأولى يحمل هذه الرسالة ، ويعمل في كل هذه الميادين : الإسلام واللغة والكفاح السياسي.
وكان محمد الخضر حسين مستنيرا متفتح الذهن يدعو إلى الإصلاح على أساس قاعدة علمية واضحة ، فهو يعتمد الرأي حيث يثبته الدليل ،