الأكبر. فقال في بضع كلمات : «إنه معهد الدين وحصن اللغة المكين».
ومن أراد هذه الرسالة للجامع الأزهر ، فقد عرف من قبل رسالة القرآن الكريم ، بل عرف المعجزة الكبرى لهذا الكتاب في ناحية إعجازه التي لا مراء فيها ، وهي معجزة الأثر الخالد التي نستطيع نحن ـ أبناء هذا العصر ـ أن ندركها وأن يكون إدراكنا لها أقوى وأوضح ممن سبقونا إلى العلم بمعجزة الكتاب المبين.
معجزة الأثر في ألف وأربعمائة سنة أقوى وأوضح من معجزته التي شهدها أبناء القرن الأول ثم شهدها أبناء القرون الأولى بعد عصر الدعوة ... فإننا اليوم نستطيع أن ندرك تلك المعجزة التي لا نظير لها والتي تقاصرت عنها الهمم ووقفت دونها دعوات الأفراد والأمم ، وتم بها ما يتم بعمل إله وقول إله ، وهيهات أن يتم بجهد الإنسان بغير معونة الله.
أربعمائة مليون من بني آدم فرقتهم الأجناس واللغات والبقاع والأزمان ، وجمعتهم كلمات القرآن.
وكلمات حفظت اللغة التي نزلت بها وليست هذه اللغة هي التي حفظتها ، ولم يتفق قط للغة من اللغات أن عاشت بكتاب واحد مدى هذه السنين ، فلم تعش لغة اليونان خمسمائة سنة بكتاب هوميروس ، ولم تعش لغة اللاتين بعض هذه السنين بلغة فرجيل وهوراس ، وذهبت لغة فارس ولغة الهند وفيها من الكتب ما لا يقرأه اليوم غير كهان المحاريب ، وماتت لغات أخرى كانت تعيش قبل الإسلام وبقيت لغة القرآن حية في عالم الديانة وفي عالم الكتابة وفي عالم الثقافة ، وستحيا غدا كما حييت بالأمس ، ماشاء الله ، وصح فيها قول الأستاذ الفقيه : «إنها ليست في هذا المقام عربية الإقليم والجو ولا عربية النسب إلى أصل ينتسب إليه الجنس ... وصارت عربية الشخصية المعنوية المكونة من عنصرى العروبة والإسلام ...».
ولما تكلم عن غايته من التعليم في المعهد الأكبر الذي تولاه قال :