قدم الشيخ عز الدين إلى مصر سنة ٦٣٩ ه من دمشق ، فتلقاه صاحب مصر وسلطانها الصالح نجم الدين أيوب بالإكرام والإجلال ، وأحاطه علماؤها وفقهاؤها بالتقدير والاحترام ، حتى امتنع الشيخ زكي الدين المنذري عن الإفتاء تأدبا معه ، وقال : كنا نفتي قبل حضوره ، فمنصب الفتيا متعين فيه .. وبالغ السلطان نجم الدين في إكرام الشيخ فولاه قضاء مصر والوجه القبلي ، وقبل الشيخ المنصب على إن يؤدي فيه حق الله كما يجب ، وأن تكون كلمة الشرع هي الفاصلة بين الحاكمين والمحكومين ، فلا دالة لصاحب سلطان ، ولا تهاون مع ذي جاه ، ولكن الناس سواسية أمام الحق ، وفي شرط الإسلام ، وعلى هذا تقلد الشيخ المنصب وتحمل العمل فيه.
وكان أول موقف للشيخ تجاه أصحاب النفوذ والسلطان بين الناس ، وكان موقفا عجبا ، ذلك أن السلطان قد أكثر من شراء الترك وتأميرهم على البلاد ليكونوا أعوانه وعيونه ، وقد استشرى أمر هؤلاء الأتراك وصاروا أصحاب الجاه والنفوذ على الرعية لا يبالون في ذلك بطشا ولا ظلما يقع على الناس ، وما كان في الناس من يستطيع أن يتصدى لهم أو ينكر عليهم ، ونظر الشيخ ابن عبد السلام فرأى في ذلك فسادا لا يستقيم به حق الدين ولا واجب الحكم ، ولما بحث الشيخ الأمر في حقيقة هؤلاء الأمراء الأتراك رأى أنهم بحكم الشرع أرقاء لسادتهم من أبناء مصر ، وذلك لأن السلطان قد اشتراهم بمال الدولة وما زال حكم الرق مستصحبا عليهم ، وكان أن جلس الشيخ وكتب فتواه بأنه لم يثبت عنده أن هؤلاء الأمراء الأتراك أحرار وأن حكم الرق مستصحب عليهم لبيت مال المسلمين وأنه لا بد من بيعهم وصرف ثمنهم في وجوه الخير ومصالح الأمة. وكان من جملة هؤلاء الأمراء نائب السلطنة ، وكلهم أصحاب حكم وسلطان.
وبلغت الفتوى أولئك الأمراء ، فامتلأوا غضبا وغيظا ، وأدهشتهم تلك الجرأة من ذلك الشيخ الفقيه عليهم ، وأرسلوا إليه أن يكف عن هذا