الجديد مع نساء بدويات عديدات ، وفي هذه الاثناء سقطت عليّ خشبة غليظة فضربت جنبي الايمن فآلمتني جدا ، وفي المكان الجديد اصبحنا دون غطاء يقينا الحر ، فاحرقتنا الشمس اذ كانت في كبد السماء.
اكملنا انحدارنا بدانكنا الجديد ، حتى استطاع الاخرون تخليص الدانك الاول ، وفي طريقه الينا عاد فاصطدم من جديد بجزيرة صغيرة تكونت على اثر تحول مجرى النهر قليلا ليعود من ثم الى مجراه الاول. وهكذا توقفنا مرة اخرى وقد ملأ السأم والغضب قلوبنا. ويرجع السبب في بطء سير الدانك الى ان اخشابه قديمة جدا وبناءه بدائي ، كما ان عدد الركاب كان كبيرا.
لقد كان للدانك مجذافان فقط ، يتكون كل واحد منهما من ثلاث قطع ، اما الصارية فمن تسع قطع او عشر ، وهكذا القلوع ، اما الدفة فمن ست او سبع!! وكان محملا بالاتراك والجنود والاعراب واخرين ، بلغ عددهم نحو مئة نفر ، ولذا كنت اطلق على الدانك اسم «قارب شارون» (١) Barca di Caronte لكثرة عدد المسافرين وضجيجهم. اما القتال فيما بينهم فحدث عنه ولا حرج ، وكم من مرة ادى عراكهم الى اسالة الدماء!
في اليوم السابع من سفرنا دفعتنا الريح الى ضفة النهر اليمنى ، فرأينا بدوا كثيرين وقد اختبأوا وراء الاعشاب والادغال التي نبتت بكثرة على ضفاف النهر ، وكانوا قد اعدوا اسلحتهم ، فتأهبنا لمناجزتهم واعددنا اسلحتنا ، فلما لاحظوا استعدادنا لمجابهتهم ، ورأوا افواه البنادق موجهة نحوهم ، لم يهجموا علينا بل تقدموا نحونا والقوا علينا السلام ، فابعدناهم خوفا من تفاهم مسبق ومكر مبطن بينهم وبين البدويين الراكبين معنا ، قد ينتج عندها ما لا تحمد عقباه.
كنا نمر باراض شاشعة لا حياة فيها ، وفي اليوم العاشر مررنا بقرية
__________________
(١) ان «شارون» في الاساطير اليونانية القديمة ، هو ربان المركب الذي يحمل الهالكين الى جهنم النار ، وكان يتقاضى من كل مركب شيئا. ومن هناك كان الاقدمون يدسون في فم موتاهم قطعة نقدية قبل ان يواروهم الثرى ، ليكونوا على استعداد عند ملاقاتهم بشارون! كما ان شارون كان يرفض نقل ارواح لم تدفن اجسادهم باحترام ...