مأهولة بالسكان فاشترينا منها متاعا. وبعد مسافة انقسم النهر الى فرعين.
اما الفرع الاول فكان يفقد مياهه اذ تتبدد في الاراضي الواسعة ، فيمسي بعد مسافة جدولا صغيرا تتكاثر في وسطه الجزيرات ، واخيرا يعود ليلتقي بالفرع الثاني في القرنة ويجتمع بالفرات قبل ذلك بقليل.
كان خادمنا موسى قد خبأ في اليوم التالي محفظة احد رفاقي وفيها ٣٠ قرشا ، وكان في نيّته ان يصرفها في شؤونه الخاصة. فاعتقدوا ان احد الركاب قد سرقها ، فاخبرنا الربان وطلبنا من الجنود ان يحاولوا العثور عليها ، ففتشوا بتدقيق كبير ، مستعملين التهديد والوعيد. اخيرا اقر موسى بانه هو الذي اخذ المحفظة ليلقن الاب (حسب قوله) درسا في كيفية المحافظة على النقود! فشعرت اني في ورطة عظيمة ، فاذا اعلنت اسم السارق فاني سأعرضه الى خطر جسيم ، ففضلت ملازمة الصمت ، وفكرت بانه من الاحسن ان يكملوا التفتيش حتى ييأسوا.
لكن الامور اخذت تتعقد بالاكثر ، فقد بدأ الراكبون يتراشقون تهمة السرقة ، فوقفت في الوسط لاعلن باني اعتقد ان الركاب جميعهم شرفاء ، واني اشك في كون المحفظة قد سقطت في الماء ، ولذا اود ان يكفوا عن التفتيش ، واذا حدث وان عثر احد عليها فليأخذ منها خمسة قروش ويضعها من ثم في محلها اثناء الليل ، وعلى اثر ذلك ، اخذ الركاب يستفسرون منا في الايام الثلاثة التالية عما حدث في المحفظة ، فكانت اجوبتنا مبهمة لا نعطي فرصة للتشكيك بأحد ، واخذوا يراقبون مجلسنا ليروا كل من يتوجه اليه ، وكنت اريد ان ابعد انظارهم عنا ، او ان في حوزتنا كمية من المال (والمال ، والحق يقال ، ضروري جدا اثناء السفر في تلك الاصقاع). وكان بامكاننا ان نقترض المال عند الحاجة ، لان للقوم فكرة طيبة عن الافرنج وثقة كبيرة بالرهبان ، وعلى اثر هذا الحادث اصبح الجند اكثر تهذبا معنا ، بينما اخذوا ينظرون نظرة شك وارتياب الى الاخرين لانهم فرحوا بفقداننا المحفظة. وكان هذا الموقف الجديد مفيدا لنا. وكان هناك عسكري انكشاري من بوسنة ، يطيب له تفقدنا ، وكان يجالسنا ، بالرغم من عدم تمكننا من التفاهم معه بسبب جهلنا اللغة.