غالبا ، كما يقول المثل «اللاتيني» : «يذنب الواحد ويتهم الآخر» فأمره الشيخ بدفع غرامة قدرها سبعة قروش نقدا ، وثلاثة قروش هدية ، اضافة الى اشياء اخرى يقدمها الى الاعراب البارزين في القبيلة. وكان من الضروري ان يصعد اربعة من رجال الشيخ الى المركب باسم سيدهم ، ليعيدوا الهدوء والامن ويسكتوا الاعراب المتجمعين على ضفتي النهر. لقد افهمنا هذا الحادث فداحة الخطر الذي كنا فيه يوم امس عندما صرخت البدويات علينا!
لقد وعد كبير القوم بني قومه «أو طائفته» لانهم كانوا يحملون شعارا ، اعتادوا على اخذه خلال اسفارهم ، والشعار هو عبارة عن قطعة من النحاس مزخرفة وقد نقش عليها اسما «الله ومحمد» ، والقطعة المذكورة مثبتة على بيرق ، فحيثما ينزلون الرحال ينصبون البيرق عاليا ، ويقدمونه للتقبيل والتبرك ، ويؤكدون ان المؤمنين ينالون به الشفاء من الامراض والجنون ...
عادت البدويات في اليوم التالي الى الصراخ ، لان اليعقوبي نزل من جديد الى مجلسهن ، ليسترجع بعض البطيخ «الرقي» الذي سرقته المرأة نفسها ، انها والحق يقال تشبه الباشق والمسخ! وتحول المركب من جديد الى هرج ومرج ، وتراشق الطرفان التهم والمسبات فغضب الاخوان الانكشاريان وهجما على الشاب واشبعاه ضربا ولكما وتشتيما ، ولم يتخليا عنه الا بعد ان تركا اثرا للحادثة على عينه! وكانا يلحان عليه كي يعلن اسلامه ، لانه اعتدى على احدى نسائهم ... وكان المسكين يدافع عن براءته وينفي نفيا قاطعا كونه اقترف الاثم المذكور ، وهنا دافع عنه ، للمرة الثانية التاجر يوسف وخلصه.
وعلى اثر هذا الحادث امتنع الجميع عن مخالطته او التحدث معه او حتى النظر اليه ، واخذوا يتهمونه بسرقة محفظتنا. فاخذنا نرسل اليه ما يقتات به ، ودعوناه للجلوس معنا ، عطفا عليه ومن اجل ابعاد شبهة السرقة عنه.
في اليوم الثاني ، دعا القسيس النسطوري ذاك الشاب اليعقوبي ، لانه كان في خدمته ، وحثه على تقديم هدية للتاجر الذي دافع عنه اعترافا منه بجميله ، ورضي الرجل بشيء قليل رمزي ، لكن المسافرين الاخرين تدخلوا واقنعوا التاجر ان لا يقبل باقل من خمسة قروش ، واخيرا ارتضى بقرشين قدمهما