اخبرني القسيس انه يقصد السفر الى روما للتبرك ، ولاجل امور خاصة به ، وقد اوصتني عليه امه بدموع غزيرة كما اوصانا عليه اخوته والاباء والكبوشيون.
اتخذنا لنا دليلا يعرف الطريق ، ندفع له ثلاثة وثلاثين قرشا ، ثم اشترينا الخيول وأعددنا ضروريات الطريق ، وقبل ان نبدأ السفر انتشر خبر مفاده ، ان الباشا امر بالقبض على الافرنج القادمين من حلب ، فتخوف «الشاطر» اعني الدليل وعدل عن السفر ، فوجدنا دليلا ثانيا ، ندفع له اربعين قرشا ، وهذا بدوره غير فكره وامتنع عن السفر. فاضطررنا إلى الانتظار ريثما يصل الافرنج مع القافلة القادمة ، فما ان دخلوا بغداد حتى تم القاء القبض عليهم وزجوا في اسطبل احد الاغوات الكبار.
كان هؤلاء الافرنج الماركيز درفيل Dereville ، ورفيقه المدعو ميركانتي Merchanti وكانوا يقولون انهم في طريقهم الى الهند عن طريق البصرة ، ولم يكن معهم من المال الا اليسير ، اضافة الى ساعة ، يقدر ثمنها بثمانين قرشا ، وبعض الاسلحة ومجموعة من الرسائل. فصادرت السلطة هذه الاشياء كلها للحال ، لكن هؤلاء كانوا اوسع حيلة وابعد نظرا اذ كانوا يتوقعون هذه الاحداث ، لذلك كانوا قد وضعوا الاغراض المهمة والثمينة امانة عند بعد الارمن الذين كانوا معهم في القافلة ، وقد قدم هؤلاء ـ الارمن ـ شهادة حسنة بحق الافرنج اثناء الاستجواب.
ارسل الوالي في طلب رئيس الاباء الكبوشيين وامره ان يترجم بكل امانة تلك الرسائل المصادرة الى اللغة التركية ، كما امر ان يحضر معه مملوكه الفرنسي عمر. فتعاونا لتكميل ارادة الباشا ، لكنهما اتفقا على ان يغضا النظر عن كل ما في الرسائل من امور قد تثير الشكوك ، ولم يكن في بغداد غيرهما من يتقن اللغة الفرنسية ، لكن الوالي كان قد عرف بان أحد الافرنج هو سفير البندقية الى شاه ايران جاء بمهمة خاصة وهي ان يحثه على مهاجمة بغداد ، لذلك قرر ان لا يطلق سراحهم ، بل وضعهم في مكان ارحب وانظف من الاسطبل! وسمح لعبيده الافرنج بان يذهبوا لزيارتهم ويقدموا لهم المساعدة اثناء الطعام للاطلاع على اشياء كثيرة.