الكبوشيين ، فقد ظهر المسكين ناقص العقل وغريب الاطوار ، فنسي انه يرافقنا من اجل تقديم الخدمة لنا ، وكان في صراع متواصل مع الدليل يطلب منه بإلحاح ان يخدمه!.
في اليوم الثالث من سفرنا فقدنا ما كان معنا من الماء ، فعطشت الخيول ، وعند المساء مررنا بالنهر ، فشربت وأكملنا المسير ، ومررنا بطريق خطرة ، فكنا نسير بصمت تام ، فقد حرم الدليل علينا الكلام بل العطسة ايضا! وفي الصباح غلبنا نعاس ثقيل فسقطنا كلنا عن خيولنا ، لذلك سمح لنا المرشد ان نستريح مدة ساعة ولما امتطينا الخيول عاد النعاس يداعب اجفاننا ... وبعد مدة وصلنا الى عانة الواقعة على الفرات ، وكان اليوم الرابع من سفرنا ، بينما لو كنا في ركب قافلة كبيرة لما وصلنا الى هذه المدينة في اقل من عشرة ايام.
كان الحاج بركات من اهل عانة ، لذلك اخذنا الى بيته ، وهناك تناولنا الطعام على الطريقة العربية وكان تمرا وسمنا ، ودفعنا رسوم المرور قرشين عن كل نفر اضافة الى ما دفعناه من قبل عند عبورنا النهر.
ان دليلا قادما من حلب ، اخذ يروي لنا عن كثرة اللصوص وانتشارهم في الطرقات ، ففكرنا باصطحاب دليل اخر اكثر جرأة واوسع خبرة من مرشدنا. فوجدنا شابا اعرابيا مقداما ، ثم قيل لنا انه خائن وهو على علاقة بقطاع الطرق ، ومن جهتنا فاننا والحق يقال لم نركن اليه ولم نرتح ، اذ كان يزورنا دائما ويجلس الينا ، ويضرب على آلات الطرب بطريقة تثير الازعاج.
مرت ايام ثلاثة ولم نعثر على ضالتنا ... وكانت الخيول قد استراحت من تعب الطريق ، فقررنا السفر ، واذ كنا في وسط المدينة (وجدير بالذكر ان مدينة عانة طويلة جدا ، وتقع بين التلول من جهة والنهر من الجهة الثانية) ، تصدى لنا عربي متسربل بالسواد من اعلى كتفيه الى اخمص قدميه ، وعلى راسه عمامة حمراء ، وله مسدسان على حقويه ، وخنجر كبير في وسطه ، فقال لنا : الى اين انتم ذاهبون؟ اتسيرون الى الموت؟ الا تعلمون ان الطرق كلها مليئة باللصوص في ارجاء الصحراء؟ اني والله لولا مخافة ربي لتركتكم تسيرون الى حتفكم ، لانكم وايم الحق تستحقون الموت بسبب تهوركم ،