لكنني اشفق عليكم ، اني من اتباع الافرنج ، ولذا اريد ان ارافقكم وارشدكم في طرق سليمة ، كما فعلت مع اخرين من قبلكم ، واعطوني كما ترتاؤون. واذ كان الحاج بركات رعديدا ، وقليل الخبرة في الطرق البعيدة ، فقد ألح علينا كي نقبل الرجل ، واكد انه يعرفه شخصيا وانه جدير بالثقة. فاتفقنا على اثني عشر قرشا ، فقادنا الرجل الى بيته ، واحسن ضيافتنا ، فلما حل الظلام عدنا الى الطريق كما اننا كنا نسير في النهار ايضا وتابعنا السير في الليلة التالية.
ثم علمنا اننا سنقترب من قافلة ميخائيل طوبجي الذي كان عائدا من دمشق متوجها الى بغداد ، كما كان يفعل كل سنة ، فيمكث هناك الى نهاية كانون الثاني (١) ، فتمنينا ان نراه ولذلك اخذنا ننصت في الليل الى وقع حوافر خيول قافلته ، فعلمنا انه قريب ، فذهبنا للقياه وتقديم احترامنا له.
كان يسير في ركابه عدد كبير من الجنود ، معهم طبول وبيارق خفاقة ، وراية مقدسة محمولة على جمل. فلما اخبروه بقدومنا وتعرف علينا ضرب ركبته بيمناه قائلا ، وا ويلاه ، اتذهبون الى نهايتكم؟ انه والله تهور فظيع! لقد رأينا اليوم بأم اعيننا ستين واحدا من قطاع الطرق يعبرون الفرات ، فبينت له ضرورة السفر ، كما قلت له ان ثقتي بعناية الله عظيمة ، عندئذ اطلق عيارا ناريا من بندقيته فاتى للحال ابنه «بولس اغا» وكان شابا له من العمر نحو ست عشرة سنة ، فامره ان يكتب لي جوازا ، يبين فيه انني من اقاربه ، او بالاحرى ابن اخيه ، ويشهد انه قد ارسلني الى الباب العالي ، لامور مهمة ، يجب ان ابحثها مع السلطان نفسه ، ووقع عليها بختمه الخاص (وهو خاتمه الخاص).
عندئذ اخبرته عن اعتقال الماركيز ، وطلبت منه ان يسعى لاطلاق سراحه فوعدني خيرا ، ثم اردف : على ان لا يكون ذاك الشخص الذي التقى به في
__________________
(١) ذكرنا في فصل سابق قول دي لاموت لامبيرت ان ميخائيل طوبجي هذا «يترك اراضيه الواقعة ... في طرابلس .. ليذهب الى بغداد ... ويكون سفره في ابعد الاوقات بعد ١٥ تشرين الاول ..» وهذا يطابق قول صاحبنا فقد لاقاه في الطريق قبل ٢٣ تشرين الاول.