الحي ، فلم نفلح ، وهكذا في اماكن اخرى ، وكانت نيتنا ان نستأجر دانكا صغيرا كافيا لنا ، ولشخص ارمني اسمه السكندر رافقنا من بغداد ، واصله من دياربكر ، لكننا لم نجد ضالتنا. ان جهلنا اللغة الحق بنا اضرارا كثيرة ، وبالرغم من كل ذلك ، فان الارمني والجندي الانكشاري ورجلا مسلما تظهر على محياه سمات النبل والوقار ، قدموا لنا مساعدات جمة اكثر من مرة ، وكان الرجل المسلم يحاول ان يدخل الفرح الى نفوسنا ، وكان الرجل هرما وسمينا جدا ، لكنه مع ذلك خفيف الظل سريع النكتة ، فكنا نتفاهم بالحركات وبالايماءات وبكلمات معدودات هي خليط من التركية والفارسية والعربية.
في الثالث عشر من تشرين الثاني وصلنا الى المجر Magger وتعتبر هذه المنطقة نهاية حدود ولاية بغداد ، فكان من واجب القبطان ان يدفع رسوما عن الحمولة ، وقد طلب الشاهبندر ضريبة اكثر مما يستحق ، فلم يتفقا على مقدار الضريبة ، وهنا تدخل احد البحارين ، الذي كثيرا ما انعمنا عليه بالمساعدة ، فاراد ان يظهر براعته للقبطان فاقترح عليه ان يصرح بان الحمولة طبيعية ، وان كان هنا كمية اكثر من الحمولة العادية فليتقاضى اجرها من المسافرين الافرنج ، فطاب الاقتراح للربان واخذ بالعمل بحسب هذه المشورة ، فاستدعانا الشاهبندر وطلب منا جوازات السفر (عدم تعرض) واذ لم يكن معنا ، اعتمادا على وعد الربان نفسه ، للشاهبندر بواسطة الحركات ان الربان نفسه لم يهتم للجوازات ، فانكر الربان بكل وقاحة ما قاله في بغداد ، عندئذ امر الشاهبندر بالقاء القبض علينا.
ليس بامكاني ان اشرح او ان اعبر عن شعوري في تلك اللحظة ، لقد اخذت اتصور نفسي ورفاقي سجناء في ذلك الموضع البعيد ، بين اعراب لا استطيع التحدث اليهم لجهلي لغتهم ، فانقبض قلبي ، ورأيت ابواب الخلاص مسدودة في وجهي. واذ بواحد منهم يقترح علينا حلا للمشكلة بان ادفع عشرين قرشا ، ففرحت بهذا الحل ، لكن قلة ذات اليد جعلتني احتج بان الضريبة عالية ، فتدخل الجنود الانكشاريون والملا واسكندر الارمني ، وهكذا هبطت الى خمسة قروش نتيجة وساطتهم ، وتظاهر اسكندر وهو يخفي ابتسامة