فقال الظريفة : قتلته ، قتلك الله ، فالتفتت إليه ميّ فقالت : خف عواقب الله يا غيلان ، ثم مضيت فيها حتى انتهيت إلى قوله :
إذا راجعتك (١) القول ميّة أو بدا |
|
لك الوجه منها أو نضا الدرع سالبه |
فيا لك من خدّ أسيل ومنطق |
|
رخيم ومن خلق تعلّل جاذبه |
فقالت الظريفة : ها هي ذه قد راجعتك القول ، وبدا لك وجهها فمن لنا بأن ينضو الدرع سالبه؟ فالتفتت إليها ميّ فقالت : قاتلك الله ما أنكر ما تجيبين به ، قال عصمة : فحدّثنا ساعة ثم قالت الظريفة للنساء : إنّ لهذين شأنا فقمن بنا ، فقمن وقمت معهن ، فجلست في بيت أراهما منه ، فسمعتها قالت له : كذبت والله ، وو الله ما أدري ما قال لها وما أكذبته فيه ، فلبث قليلا ثم جاءني ومعه قارورة فيها دهن وقلائد ، فقال لي : هذا دهن طيّب أتحفتنا به ميّ ، وهذه قلائد الجؤذر ، ولا والله لا أقلّدهنّ بعيرا أبدا ، وشدّهن بذؤابة سيفه ، ثم انصرفنا ، فكان يختلف إليها حتى تقضّى الربيع ، ودعا الناس المصيف ، فأتاني فقال : يا عصمة قد رحلت ميّ ، ولم يبق إلّا الآثار ، والنظر في الديار ، فاذهب بنا ننظر في ديارها ، ونقفو آثارها ، فخرجنا حتى أتينا منزلها ، فوقف ينظر ثم قال (٢) :
ألا فاسلمي (٣) يا دار ميّ على البلى |
|
ولا زال منهلّا بجرعائك (٤) القطر |
قال عصمة : فما ملك عينيه فقلت : مه ، فانتبه ، وقال : إنّي لجلد ، وإن كان مني ما ترى ، قال : فما رأيت أحدا كان أشدا منه يومئذ صبابة ، ولا أحسن عزاء وصبرا ، ثم انصرفنا وتفرقنا وكان آخر العهد به.
أخبرنا أبو العزّ كادش ـ إذنا ومناولة ، وقرأ علي إسناده ـ أنبأنا محمّد بن الحسين ، أنبأنا المعافى بن زكريا (٥) ، حدّثنا إبراهيم بن محمّد بن عرفة الأزدي ، ومحمّد بن القاسم الأنباري ، قالا : أنبأنا أحمد بن يحيى ، عن أبي زيد ، حدّثني إسحاق بن إبراهيم ، حدّثني أبو صالح الفزاري قال :
__________________
(١) في الديوان : «نازعتك» ومثله في الأغاني وذيل الأمالي.
(٢) البيت في ديوان ذي الرمة ص ٢٠٦ وذيل الأمالي ص ١٢٥.
(٣) الديوان وذيل الأمالي : ألا يا أسلمي.
(٤) الجرعاء : المنبسط من الرمل.
(٥) الخبر رواه المعافى بن زكريا الجريري في الجليس الصالح الكافي ٢ / ١٨٩ وما بعدها ، وفي مصارع العشاق ص ٢٧٢.