فعرف النساء ذا الرّمّة حين طلعنا عليهن ، فتقوّض النساء إلى بيت ميّ ، وجئنا حتى أنخنا ، ثم دنونا فسلّمنا وقعدنا نتحدث ، وإذا ميّ جارية أملود (١) ، واردة الشعر ، صفراء فيها عسن (٢) وإذا عليها سبّ أصفر (٣) وطاق (٤) أخضر ، فتحدّثن مليا ثم قلن له : أنشدنا يا ذا الرّمّة ، قال : أنشدهن يا عصمة ، فأنشدتهن قوله (٥) :
نظرت إلى أظعان (٦) ميّ كأنها |
|
ذرى النخل أو أثل تميل ذوائبه (٧) |
فأوشلت العينان (٨) والصدر كاتم |
|
بمغرورق نمّت عليه سواكبه |
بكا وامق (٩) خاف الفراق ولم تجل |
|
جوائلها أسراره ومعاتبه |
فقالت ظريفة ممن حضر : لكن الآن فلتجل ، فنظرت إليها ميّ ، ثم مضيت في القصيدة حتى انتهيت إلى قوله :
إذا سرحت من حبّ ميّ سوارح |
|
عن القلب آبته جميعا عوازبه |
فقالت الظريفة منهن : قتلته قتلك الله ، فقالت ميّ : ما أصحه (١٠) وهنيئا له ، فتنفس ذو الرّمّة تنفيسة كاد حرّها يطيّر شعر وجهه ، ومضيت حتى انتهيت إلى قوله :
وقد حلفت بالله ميّة ما الذي |
|
أقول لها إلّا الذي أنا كاذبه |
إذا فرماني الله من حيث لا أرى |
|
ولا زال في أرضي عدو أحاربه |
__________________
(١) أي ناعمة.
(٢) بالأصل : عشر ، والمثبت عن المختصر ، وكانت في أصله : عشر كالأصل هنا ، وقد صوبها محققه. وبهامشه : العسن : الطول مع حسن الشعر والبياض.
(٣) السبّ : الثوب الرقيق أو الخمار ، والشقة الرقيقة (القاموس المحيط).
(٤) الطاق : الكساء (اللسان : طوق) وفي ذيل الأمالي : نطاق أخضر.
(٥) الأبيات في ديوان ذي الرملة ص ٣٩ والأغاني ١٨ / ٥١ وذيل أمالي القالي ص ١٢٤.
(٦) الأصل : «أظفار» والمثبت عن الديوان والمصادر.
(٧) عجزه في الديوان : مولية ميس تميل ذوائبه.
وفي المصدرين العجز فيهما كروية الأصل.
(٨) في الديوان : فأبديت من عيني والصدر كاتم.
وفي الأغاني : فأسبلت العينان والقلب كاتم.
وفي ذيل الأمالي : فأسبلت العينان والصدر كاتم.
(٩) في الديوان : هوى آلف جاء الفراق فلم تجل.
وفي الأغاني : بكاء فتى خاف .....
(١٠) رسمها بالأصل : «أصحبه» والمثبت عن الأغاني.