تكلّم غيلان عند عمر بن عبد العزيز بشيء من أمر القدر ، فقال له عمر : يا غيلان اقرأ أي القرآن شئت ، فقرأ : (هَلْ أَتى عَلَى الْإِنْسانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ) حتى انتهى إلى هذه الآية (إِنَّ هذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَنْ شاءَ اتَّخَذَ إِلى رَبِّهِ سَبِيلاً) قال : فردّدها مرارا وكفّ عما بقي ، فقال له عمر : أتمّ السورة ، فقال : (وَما تَشاؤُنَ إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ إِنَّ اللهَ كانَ عَلِيماً حَكِيماً) إلى آخرها ، قال : فقال له عمر : يا غيلان ، إنّ الله يقول : (إِنَّ اللهَ كانَ عَلِيماً حَكِيماً) قال : أخبرني : حكيم فيما علم أم حكيم فيما لا يعلم؟ قال : بل حكيم فيما علم ، فقال له : أحييتني أحياك الله ، والله لكأني لم أعلم هذا من كتاب الله ، فقال له عمر بن عبد العزيز : اللهمّ إن كان صادقا فارفعه ووفّقه ، وإن كان كاذبا فلا تمته إلّا مقطوع اليدين والرجلين مصلوبا ، ثم قال : أمن يا غيلان ، ثم قال : أمّن يا عمرو بن مهاجر ، قال : فأمّنت أنا وغيلان على دعاء عمر بن عبد العزيز ، فلما خرج قال لي عمر : يا عمرو ، ويحه إنّه لمفتون ، قال عمرو بن مهاجر : فو الله إنّي لفي الرّصافة جالس (١) فقيل لي : قد قطعت يداه ورجلاه ، قال : فأتيته ، فوقفت عليه وإنّه لملقى فقلت له : يا غيلان هذه دعوة عمر بن عبد العزيز قد أدركتك ، قال : ثم أمر به فصلب.
أخبرنا أبو غالب محمّد بن الحسن ، أنبأنا أبو الحسن السّيرافي ، أنبأنا أحمد بن إسحاق النّهاوندي ، حدّثنا أبو عبد الله محمّد بن أحمد بن يعقوب ، حدّثنا أبو داود سليمان بن الأشعث ، حدّثنا عبيد الله بن معاذ ، حدّثنا أبي ، حدّثنا محمّد بن عمرو الليثي أنّ الزّهري حدّثه قال :
دعا عمر بن عبد العزيز غيلانا فقال : يا غيلان ، بلغني أنّك تقول في القدر ، فقال : يا أمير المؤمنين إنّهم يكذبون عليّ ، قال : يا غيلان اقرأ علي يس ، فقرأ (يس ، وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ)(٢) حتى بلغ (إِنَّا جَعَلْنا فِي أَعْناقِهِمْ أَغْلالاً فَهِيَ إِلَى الْأَذْقانِ فَهُمْ مُقْمَحُونَ وَجَعَلْنا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْناهُمْ فَهُمْ لا يُبْصِرُونَ وَسَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ)(٣) فقال غيلان : والله يا أمير المؤمنين لكأنّي لم أقرأها قبل اليوم ، أشهدك يا أمير المؤمنين أنّي تائب إلى الله عزوجل مما كنت أقول في القدر ، فقال عمر : «اللهمّ إن كان صادقا فثبّته ، وإن كان كاذبا فاجعله آية للمؤمنين.
__________________
(١) وذلك في خلافة هشام بن عبد الملك ، وبعد موت عمر بن عبد العزيز.
(٢) سورة يس من أول السورة إلى الآية ١٠.
(٣) سورة يس من أول السورة إلى الآية ١٠.