فعجب عبد الله بن إدريس من حفظ المأمون وقال المأمون : يا عمّ إلى جانب مسجدك دار ، إن أذنت لنا اشتريناها ووسعنا بها المسجد؟ فقال : ما بي إلى هذا حاجة ، قد أجزأ من كان قبلي ، وهو يجزيني فنظر إلى قرح في ذراع الشيخ فقال : إنّ معنا متطببين وأدوية ، أتأذن ـ وفي حديث الخطيب : أفتأذن ـ لي أن يجيئك من يعالجك؟ قال : لا ، قد ظهر بي مثل هذا وبرأ ، فأمر له بمال جائزة فأبى أن يقبله ، وصارا إلى عيسى بن يونس ، فحدّثهما ، فأمر له المأمون بعشرة آلاف ـ زاد ابن كادش : درهم ، وقالا : ـ فأبى أن يقبلها ، فظنّ أنه استقلها ، فأمر له بعشرين ألفا ، فقال عيسى : لا ولا أهليجي ، ولا شربة ماء على حديث رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، ولو ملأت لي هذا المسجد ذهبا إلى السقف ، فانصرفا من عنده.
أخبرنا أبو الحسن بن قبيس ، حدّثنا ـ أبو منصور بن خيرون ، أنبأنا ـ أبو بكر الخطيب (١) ، أنبأنا أبو بكر أحمد بن سليمان بن علي المقرئ الواسطي ، أنبأنا محمّد بن أحمد بن محمّد بن فارس البزّاز (٢) ، أنبأنا علي بن الحسين النديم ، أنبأنا الحسين بن عمر الثقفي ، حدّثنا عبد الله بن سعيد الكندي ، حدّثنا عمر بن أبي الرّطيل ، عن أبي بلال الأشعري ، عن جعفر بن يحيى بن خالد قال : ما رأينا في القرّاء مثل عيسى بن يونس ، أرسلنا إليه فأتانا بالرّقّة ، فاعتلّ قبل أن يرجع ، فقلت له : يا أبا عمرو قد أمر لك بعشرة آلاف فقال : هيه ، فقلت : هي خمسون ألفا ، قال : لا حاجة لي فيها ، فقلت : ولم؟ أما والله لأهنّينّكها (٣) هي والله مائة ألف قال : لا والله لا يتحدث أهل العلم أنّي أكلت للسنّة ثمنا ، ألا كان هذا قبل أن يرسلوا إليّ ، فأما على الحديث فلا ، ولا شربة ماء ولا هليلجة (٤)!!
قال : وأخبرني أبو الفرج الطّناجيري ، حدّثنا عمر بن أحمد الواعظ قال : وفي كتاب جدي عن عبيد الله بن عفير عن أبيه قال : وفي سنة إحدى وثمانين توفي عيسى بن يونس (٥).
__________________
(١) رواه الخطيب في تاريخ بغداد ١١ / ١٥٤ وتهذيب الكمال ١٤ / ٥٩٧ وسير أعلام النبلاء ٨ / ٤٩٣.
(٢) بالأصل : البزار ، والمثبت عن تاريخ بغداد وتهذيب الكمال.
(٣) كذا بالأصل وسير الأعلام وتهذيب الكمال ، وفي تاريخ بغداد : لا هنيتكها.
(٤) كذا بالأصل وتاريخ بغداد وتهذيب الكمال ، وفي المختصر وسير أعلام النبلاء : «إهليلجة» وهو أظهر (راجع اللسان).
والإهليلج : واحدته إهليلجة ، شجر ، وثمر معروف منه أصفر ومنه أسود ومنه كابلي ينفع من الخوانيق ويحفظ العقل ويزيل الصداع. (راجع القاموس المحيط).
(٥) راجع تهذيب الكمال ١٤ / ٥٩٧.