عدد أفرادها يوميا ، فكان رئيس القافلة «قافلة باشي» في عداد الموتى منهم. وقد حاول الكثيرون أن يعودوا فيجربوا حظهم فيعيشوا في بيوتهم من جديد لكن الزوارق كان يندر الحصول عليها ، كما كان القليل الذي يمكن الحصول عليه منها يسام غاليا بحيث لا يستطيع الاستفادة منه إلا القليل منهم.
وعلى الشاكلة نفسها ، خرجت قافلة من بغداد متوجهة إلى همذان في إيران وهي تتألف من ألفي شخص. فحملت الوباء معها وأدى ذلك إلى موت نصفهم في الطريق. فكانت هذه القافلة تترك في كل منزل تنزل به من ستين إلى سبعين جثة ملقاة على الأرض ، كما كان عدد غير يسير يموت في أثناء المسير على ظهور الخيل والبغال أو يقع من فوقها حينما يمرض فيترك ليموت على قارعة الطريق ، وتسلب لوازمه من قبل الذين لم تمتد إليهم يد الموت.
والأنكى حتى من كل ذلك ما كانت عليه حالة الألوف الذين تأخروا بالفرار من الطاعون فأحاطت بهم المياه الفائضة وقضت عليهم. فقد اضطروا إلى التراجع إلى البقع المرتفعة إلى الارض ، وظلوا يرقبون المياه وهي تطغى وترتفع من حولهم حتى صعدت إلى ارتفاع نصف ياردة في كل خيمة. ولم يتيسر لهم الطعام ولا الوسائل اللازمة لإشعال أي نوع من النار. ولذلك لم يكن بوسع المريض ولا المعافى أن ينام أو يستلقي ، والأسوأ من هذا أنهم لم يكن لديهم من الوسائل ما يستطيعون به أن يدفنوا الموتى الذين كانوا يزدادون بينهم. وقد حاول البعض وهو نصف مخبول من اليأس أن يعود فيموت في بيته ، لكن المياه لم تترك له أي سبيل وتعذر الحصول على الزوارق بأي ثمن. ومما كان يزيد في حراجة الموقف الذي كان يقف فيه هؤلاء اللاجئون أن الذين كانوا يتوفقون في الإفلات من حصار الماء كانوا على يقين بأنهم لا بد أن يقعوا في أيدي اللصوص من الأعراب الذين كانوا يسلبون جميع من يصادفونه ، نساء ورجالا ، من دون تمييز.
وفي أثناء تراكم هذا المقدار الكثير من التعاسة والشقاء البشري لم يكن هناك أروع من الهدوء الشبيه بهدوء الموت الذي كان يخيّم على المدينة في جميع أرجائها. فقد كف الملالي عن الأذان للصلاة ، وتخلّى النادبون عن ندب