ضيفا عليه في الوقت الحاضر. وهناك استقبل باحترام وتقدير لكن مضيفه ، أو بالأحرى آسره ، سرعان ما أطلعه على محاولته التي يقصد بها أخذ الباشوية إليه هو نفسه وطلب منه أن يساعده في ذلك. وبهذا يستطيع القارىء أن يحصل على فكرة حسنة عن عقلية داود وملكته في الإقناع ، حيث إن المؤتمر الذي بدأ بشكل يهدد مصلحة الباشا السابق ويعمل ضدها قد انتهى بترتيب يوافق فيه صالح بك على إعادة داود إلى الوزارة وقيامه هو بإشغال منصب الكهية في معيته.
لكن هذه الترتيبات كلها قضت عليها خيانة الحاج خليل. فقد أصبح علي الآن سيد المدينة. إذ احتلها جنده لكنه لم يجد من يعتمد عليه فيها. ولذلك بعث بإحضار داود باشا إليه في الحال ، واستقبله بكل ما يمكن من المجاملة قائلا له بأن يأمن على حياته ، لكنه طلب إليه أن يشد الرحال إلى استانبول التي ستكون حياته مضمونة فيها كذلك. ثم أخبر الباشا الهابط من عليائه بأنه حر في أن يأخذ ما يريد من ثروته وممتلكاته ، ويقابل من يشاء ممن بقي على قيد الحياة من أسرته. ومما لا شك فيه إن هذا الرفق تجاه خصمه الأخير كان متفقا مع الأوامر التي تلقاها علي باشا في استانبول ، لكننا علينا أن لا ننكر ما له من الفضل في هذا الشأن. فقد كان بوسعه ان ينفذ هذه الأوامر بشيء أقل من المجاملة ـ وكان بوسعه كذلك ، حتى من دون أن يورط نفسه بشيء ، أن يجعل تلك الأوامر غير نافذة المفعول ، إلا فيما يختص بحياة داود نفسها. لكنه أبدى
__________________
ـ للحيدري بشأن هذه الدار : «.. ومنها بيت السيد رحمة الله أغا الجيبه جي ، وهو من البيوت القديمة الرفيعة .. لم يبق منهم أحد ، ودارهم صارت لصالح بك نجل المرحوم سليمان باشا والي بغداد ثم صارت للقنصل الإنكليزي». وفي رواية أخرى إن قاسم باشا العمري حين دخل بغداد قبل علي رضا باشا وذهب إلى السراي طلب إحضار داود باشا من عند صالح بك فلم يلب طلبه ، فركب زورقا في مساء اليوم الثالث من دخوله وذهب إلى دار صالح بك الكائنة على الشط (وهي الدار التي صارت إلى بيت دلة بعد ذلك وإلى يومنا هذا) وطالب بتسلميه إليه. ولعل الدارين معا كانتا لصالح بك.