البلاد بعد أن كان يهم بسحق المير وتأديبه. فاستغلّ المير هذه الفرصة ، ولم يسترجع جميع المناطق التي كان الأمير الإيراني قد حرمه منها فحسب بل مدّ يده أيضا إلى الغرب والشمال وتوفق في ذلك بحيث أصبح الآن مسيطرا على قسم كبير من شمالي ما بين النهرين ، إلى جانب الأصقاع الممتدة من أربيل إلى كركوك في الجانب الشرقي من دجلة.
والمقول بصورة أكيدة أن ما يقرب من خمسين ألف رجل يقفون الآن تحت تصرّفه ، وتدفع للنصف الأحسن من هؤلاء أجورهم بانتظام وهم يعملون بصورة مستديمة لأنه لا يزال يستخدمهم في إخضاع المناطق العاصية عليه ، وهكذا تتسع ممتلكاته بسرعة. لكن الجزء المهم من القصة كلها هو التغيّر الأخلاقي الكبير الذي حصل في البلاد التي أخضعها لحكمه. فإن البلاد بعد أن كانت تحتلها أمة من اللصوص الذين ما إن يجدوا مسافرا يمر إلّا ويحاولون إيقافه وسلبه ، أو الذين يقدمون على ذبح المرء إذا وجدوا بيضة في يده كما يقولون هم أنفسهم ، قد أصبحت خالية من أية سرقة أو سارق. فقد قضى على صنعة اللصوصية من أصلها بعملية بتارة : إذ صار الذي تكتشف بحوزته أشياء تعود للغير يعاقب في نفس المكان الذي يكتشف أمره فيه ، أو يقتل من دون رحمة. وتتوقف العقوبة في هذا الشأن على ظروف الجريمة ، فيعاقب المذنب لأول مرة بسمل واحدة من عينيه أو قطع إحدى يديه أو بجدع الأنف أحيانا. ثم يعاقب للمرة الثانية بتشويه أشد من هذا القبيل ، أما في المرة الثالثة فإنه يعاقب بالموت على الدوام.
ولا شك أن صرامة هذا القانون تستدعيها الظروف السائدة في البلاد التي يراد ضبطها ، والحالة فيها. فهو قانون رئيس من رؤساء اللصوص ينفذه من دون خوف أو وجل ، ومن دون أن يعفى منه أحد ، لأجل أن يسيطر به على رجال عصابته. وحينما يعلم الجميع بأن أحكام هذا القانون لا استئناف لها ولا تمييز ، وليس هناك رحمة في عدالته ، فإنهم لا بد أن يرتجفوا ويطيعوا. ولا شك أن أي شيء يقل عن ذلك في صرامته وقسوته لا يمكن أن يكون مؤثرا في هذه الظروف. فكان لذلك وقع شديد بين الناس بحيث صار كل من في البلاد