الخاضعة لحكم المير وسيطرته لا يمس حتى كيس الذهب إذا وجده في الطريق ، وإنما يخبر مختار القرية القريبة من الموقع ، وهذا بدوره يكون من واجبه أن يبعث من يحضره له فيحفظه عنده حتى يتم تسليمه إلى صاحبه الشرعي ، على أن يخبر المير نفسه بذلك في الوقت نفسه.
ويروى عن المير أنه تناهى إليه ذات يوم أن أحد إخوته المقرّبين إليه مرّ راكبا ببستان يعود لرجل فقير واقتطف رمانة منه ، دون أن يترخّص من صاحبه.
فبعث عليه وواجهه بالتهمة التي لم ينكرها ، ثم سأله عن اليد التي اقتطف بها الرمانة والأصبع الذي قطعها به ، فأمر بقطعه. وتروى عنه قصة أخرى فتذكرنا بقصة مماثلة تؤثر عن نادر شاه الذي لا يقل عنه المير صرامة وقسوة. فقد وجدت جثة رجل على قارعة الطريق بالقرب من إحدى القرى ، وقد شوّهتها الذئاب وبنات آوى ومزّقتها شرّ ممزّق. فوصل خبرها إلى المير نفسه ، وأمر بإجراء التحريات المعتادة جميعها لكن القتلة لم يتوصل أحد إلى معرفتهم.
وحينما سئل القرويون عن جلية الأمر ألقوا اللوم على ذئاب الغابة المجاورة التي سبق أن التهمت القسم الأكبر من الجثة. فأمر المير بإحضار الذئاب ، وعند ذاك خرجت القرية كلها للقبض على الذئاب لأن سكانها كانوا على علم بالعاقبة الوخيمة التي تنتظرهم فيما لو عجزوا عن ذلك. وحينما جيء ببعض الذئاب إلى الرجل العظيم أمر بتعذيبها وقتلها قتلا فظيعا أخذت ترتجف لهو له أوصال القرويين الذين شاهدوها ، حتى أجهدوا أنفسهم في اكتشاف القتلة وتسليمهم إلى العدالة لإنقاذ أنفسهم من المصير المرعب الذي كان يدل عليه ما حدث للذئاب المسكينة. وهذه القصة وإن تكن بعيدة الوقوع ، فإنها تدل على الضوء الذي يجب أن ينظر فيه إلى أعمال هذا الرجل.
ولأجل أن يتسنّى لي وصف أمير كتب له على ما يظهر أن يؤثر تأثيرا مهمّا في جزء كبير من هذه البلاد الطريفة جدا أراني مضطرا للانتفاع ببعض النبذ المستمدة من يوميات الدكتور روص طبيب المقيمية البريطانية ببغداد الذي أسعفه الحظ فتسنى له أن يقوم برحلة في هذه البلاد المخطرة بدعوة من المير نفسه. فإن المير مصطفى والد مير راوندوز كان رجلا أعمى على ما يبدو ،