مآثره الأخيرة على ما أحسب. لأنهم على ما يقولون قد قاموا بأعمال باهرة برغم هزيمتهم المنكرة! فقد أقسم قائد المدفعية أيمانا مغلظة بأنه أطلق خمسمئة قذيفة من مدافعه ، فقتلت كل قذيفة خمسة عشر رجلا من رجال العدو. وهو لا يذكر رقما «أكبر» من هذا لأنه يود أن يبقى في ضمن الحدود المعقولة القابلة للتصديق! ومع كل هذا فقد أجبروا على التقهقر بطريقة من الطرق ، إنه يعترف بهذا على كل حال.
وقد اكتفينا هنا بزيارة قصيرة : إذ تناولنا القهوة ودخّنا شطبا أو شطبين (١) ـ هذا ما فعلوه هم على الأقل ـ ثم عدت من السراي محفوفا بلفيف من خدام فخامته وهم يطالبونني ، وليس يرجونني ، بالهدايا مطالبة ملأى باللجاجة والإلحاف. وهذا إزعاج ممجوج للغاية تشاهده هنا وفي استانبول ، لكنه أشد إزعاجا هنا. فإن «جميع» الخدم الذين يقفون في خدمة أي رجل كبير تزوره هنا ينتظرون من الغريب أن يطعمهم أو يقدم لهم هدية من الهدايا ، وقد أصبحت هذه العادة الممقوتة جزءا من الوضع العام بحيث إن الخدم يعدون هذه الإكراميات قسما من أجورهم أو رواتبهم ، ولذلك لا يمكن لأي شخص أن يتحاشى الإذعان لها. فكل فرد أو مراجع لا بد ان يستفيد من المراجعة فيدفع لهم تبعا للفائدة التي يحصل عليها. إذ يدفع الموظفون والمستخدمون هذه «الرسوم» لخدام الرجل الكبير من أجل تكوين أصدقاء في الديوان ، بينما يدفع لهم هم بدورهم من يروّجون له أشغاله. وهكذا أصبح هذا التعامل عادة شائعة بحيث إن المرء لا يمكنه القيام حتى بزيارة اعتيادية بسيطة دون أن يدفع شيئا للجميع. وقد أصبحت هذه في السراي على الأخص عادة ممقوتة للغاية ، إذ يحدق الأتباع والخدام الذين لا حصر لهم بالمرء كاللصوص ، وينفذ الاجبار على الدفع إلى حد قيام الجنود الذين يقفون للتحية بمد بنادقهم لقطع الطريق عليك حتى تدفع «الرسم» المطلوب.
__________________
(١) لقد أشرت في حاشية متقدمة أن الشطب هو الجبوق ، ويقدم للزائر أو الضيف كما تقدم النارجيلة (الشيشة) أو السيكارة. وقد كان في ديوان الباشا يومذاك عادة ، رجل موكل بهذه الخدمة يسمى (جبوق باشي).