ولا أدري إذا كان لا بد لي أن أعود إلى موضوع الباشا نفسه ، على أن رسم صورة تقريبية لبغداد لا يمكن أن يتم من دون تكريس عدد من جرات القلم لوصف سيدها الحالي. فقد سبق لي أن أتيت على وصف علي باشا ومظهره الخارجي. أما عقله فليس أكثر جاذبية من الوعاء الذي يحل فيه. فهو ضعيف الرأي ، واهن العزيمة ، متردد في العمل ، فظ في قابلياته وشهواته ، أناني جشع. والمقول عنه إنه غير ميال في طبيعته إلى القسوة أو الظلم ولكنه يكره ازعاج نفسه بالإجهاد من أي نوع كان بحيث إنه يفضل تعذيب الآخرين من دون رحمة على الخضوع لمثل هذا الإزعاج ولو أدى به الأمر إلى ارتكاب أفظع الجرائم. ولذلك استغل خدامه نقطة ضعفه هذه ، والطمع الذي يساوره ، في الجور على الناس لأنهم مطمئنون بأنه لا يمكن أن يشاجر أحدا يأتي له بالمال ولا يعمل على إقلاق راحته. وهو على ما يقال دمث الأخلاق ، مطلع على شيء غير يسير من الأدب التركي ، وقد سمعت من مصدر ثقة أن أبيات الشعر التي ينظمها بالتركية لا بأس بها. لكنه بمجموعه رجل ذو ميول خسيسة ، وغير لائق أبدا للمنصب العالي الذي يشغله بمسؤوليته الكبيرة (١).
__________________
(١) جاء في كتاب لونكريك عن علي رضا باشا «.. وقد أبدى خلال اشتغاله في هذه المدة شيئا من حرية الفكر. وكان كرمه مضرب الأمثال ، كما كان قسم كبير من سماجته مختفيا وراء اعتداله .. يضاف إلى ذلك أنه كان ذا أخلاق سامية ، وله رغبة في عمل الخير زيادة على ميوله الأدبية والعلمية. على أنه كان حاكما فاشلا حقا ، فقد كانت خطته الوحيدة في حكم القبائل أن يحرك قبيلة على أخرى. وكان كسله وسمنه المفرط يمنعانه عن إجهاد نفسه في العمل .. ولم يكن قادرا على ضبط المدن ولا القبائل ، ولا قواته الخاصة غير النظامية .. أما في الأمور المالية فقد وجد على عهده العسف في الجباية وفراغ الخزينة في صعيد واحد. وعلى هذا يمكن القول إنه لم يفز بالذكر الحسن إلا بنجاحه في خلع داود باشا ، وبسخائه في منح الأراضي. وقد تزوج في بغداد ثم انتقل إلى سورية في ١٨٤٢ م» هذا وقد تزوج في بغداد بنتا من بنات المماليك هي سلمى خانم شقيقة والي بغداد الأسبق سليمان باشا الصغير. أما زوجته الأولى التي تركها في حلب فقد كان كريمة يوسف باشا الصدر الأعظم في أيام السلطان عبد الحميد خان.