وللباشا ولع شديد بالكيمياء القديمة (السيمياء) من بين جميع الصنعات الأخرى ، وهو يصرف على ما يقال مبالغ غير قليلة على الدراويش والقلندرية والمغامرين الذي يدعون المهارة بها. ولو أردنا تصديق الأخبار التي ترددها الأفواه نجد أن هذا المال لا يصرف كله عبثا ، إن هناك الآن رجل في هذه المدينة قد نجح بالفعل ، كما يؤكد البعض ، في قلب النحاس الأصفر إلى ذهب والرصاص إلى فضة. ويمكنكم بأن تطمئنوا هذا الخبر كان كافيا ليوقظ فيّ حب الاستطلاع ، فقررت أن أرى إن أمكن هذا الكيميائي أو بعض الناس الذين شاهدوا بأنفسهم هذه العملية على الأقل. فتبين بعد البحث أن التجربة قد أجريت بحضور الباشا نفسه ورجل إيطالي يدعى المسيو دي ماركي (١) ، كان يشرف في زمن الباشا السابق (أي داود) على المسلح (دار الأسلحة) ودار سك النقود (السكة خانة) معا ، واستمر على ذلك حتى الوقت الحاضر. وهو فوق هذا كله رجل بارع. وقد حصلت منه على قصة هذه التجربة كلها ، وهي إذا لم تؤيد بالتمام جميع ما أخبرت به في هذا الشأن فإنها على الأقل تثبت أن الباشا كان يتعامل مع رجل غير دجال. فقد أعلن هذا الرجل ، وهو عربي ، في الأخير انه على استعداد ليجرب فنه بعد أن ظل عدة شهور يشتغل في مختبره في تحضير أكاسيره ومركباته ، وتسلم كثيرا من المال لمتابعة العمل. وإذ كان المسيو دي ماركي مشككا في الموضوع وغير مؤمن بدجل هذا الفنان الماهر ، فقد قرر أن يراقب العملية بدقة ليكتشف الادعاء الفارغ ، ويزن بيديه هو نفسه النحاس الأصفر ، الذي جاء به هو أيضا ليقلب إلى ذهب ، ويضعه في البودقة. وقد أجريت العملية في مختبر «السكة خانة» (٢) واستعملت أجهزته فيها. وفي
__________________
(١) يبدو أن هذا الرجل ظل مقيما مع أسرته التي لا يزال نسلها موجودا فيها.
(٢) بدأ الباشوات المحليون بسك النقود ـ بكميات محدودة ـ في «القلعة» منذ أن استعاد السلطان مراد بغداد من الصفويين سنة ١٦٣٨ م ، ثم أخذت تسك أو تضرب في خان من الخانات يقع في سوق (السكة خانة) الكائن تجاه الباب القديمة لخان الأورتمة أو خان مرجان (المتخذ متحفا من المتاحف في الوقت الحاضر). ومما جاء في كتاب الرحالة فيلكس جونز (١٨٤٦ م) أن (عقد السكة خانة) من العقود ـ