المسكرات وهؤلاء مجانين غريبو الأطوار. وهم يلبسون في رأسهم قبعة مخروطية الشكل تصنع من اللباد أو القطن المنسوج وتزين حاشيتها أحيانا بالمرجان أو شغل الابرة المشغول بخيوط ملونة ، كما يلبسون سترة غامقة اللون ويحتذون نعلا خفيفا. ويحملون أحيانا صولجانا من الحديد أو بلطة خاصة ، وإناء أسود مجوفا يصنع من ثمر بعض النخيل ويعلقونه بسير من الجلد في أيديهم. وتعلم أجسامهم بعلامات خاصة تدل على طبقة الواحد منهم ومرتبته.
وعلى دراويش التكايا المختلفة أن يجتمعوا مساء كل جمعة بحلقة كبيرة وبين يديهم شيخهم المريد ، في مكان معرض للمتعبدين العديدين والمتفرجين المستطلعين من المدينة. فتوضع في الوسط مناقل من الفحم المشغول مع السيوف والخناجر وحربات الحديد الطويلة الحادة المثبتة في قبضات خشبية سميكة مزودة بعدد كبير من حلق الحديد المتحرك الذي يحدث جلجلة خاصة عند التحريك. ثم ينبري أخ من إخوان الحلقة إلى ترنيم بعض الأدوار بنغمة محزنة في ذكر الله وتمجيده ، وتعابير إلهية بعيدة الفهم ، أو إلقاء مرثاة عن وفاة شهيد من الشهداء ومعاناته ، تصحبه في ذلك وتسيطر على نغماته نقرات طبلة يقوم بالنقر عليها شخص آخر منها. وبعد أن يخيم السكون والخشوع على كل شيء مدة من الزمن ينهض في الأخير أخ أو أكثر من الإخوان ببطء ، وإذ يأخذ بالاهتزاز القليل طردا وعكسا يشرع بترديد الكلمات «حق ، حق ، هو ، هو ، هو الحق» ويتأمل بكلمات الذات الإلهية في الوقت نفسه. وفي هذه الأثناء تزداد حركاته سرعة واستمرارا فتنقلب إلى دوران وتدويم بالتدريج وتصبح شفتاه بفعل حركاته وسرعة ترديده للكلمات مغمورتين بالزبد ، وعيناه مسدودتين جاحظتين ، وتشكل خصل شعره الطويلة شيئا أشبه بالهالة من حول رأسه ، ويزرق من الإجهاد ، فيسقط في النهاية منهكا لا حراك له وهو يسبح في عرقه.
وإذ يستفز هذا المنظر إخوانه الآخرين يحذون حذوه في هذا العشق الإلهي حتى يهجم المشاهدون الدنيويون ، وقد سيطر عليهم الهياج لحد الجنون ، إلى استنشاق النفس والتمتع ببركات شيخ الحلقة. ثم يأخذون