النار من المدافع والبنادق ، الذي كان قائما على قدم وساق في الجانب الغربي من المدينة ومن الجانب الشرقي عبر النهر ، قد بدأ يخف الآن. ومن المحتمل أن يكون الأعراب قد ضويقوا كثيرا من مدفع كبير في القلعة ، كان قد جيء به ليكون أكثر تسلطا على مواقعهم فأصبحوا أكثر حذرا في تعريض أنفسهم. وكانت الشمس كذلك قد مالت إلى المغيب قبل أن ينزل الجنود من اليخت إلى البر ، فحصلت فترة توقف كانت تعكر سكونها فقط بعض الإطلاقات المنطلقة هنا وهناك وطبول الجند النظامي وأبواقه ، على أن قرقعة إطلاق البنادق العالية وهدير المدافع قد بدأت من جديد بصورة مفاجئة ـ وسمع صوت عال يعلن التحاق النجدة التي عبرت بالجيش المحارب. ووصل الصوت كذلك إلى النهر ، وحينما تطلعنا إلى الجسر وجدنا الجنود محتشدين فوقه أيضا. وبعد دقيقة اندفعوا إلى الأمام وهم يطلقون النار بسرعة ، فقوبلوا من الجانب الآخر بنار حامية استمرت عدة دقائق فقط ثم خمد أوراها. ولكن بالنظر لأن أعمدة الجسر لم تكن على مسافة عشرين ياردة عن بعضها فإن ربطه كان لا بد أن يتطلب عملا كثيرا. وقد شاهدنا قفة صغيرة تعبر الثغرة المتبقية في الجسر فأعيد نصبه كله بعد ذلك بقليل. ولا بد أن يكون القسم الأكبر من الرجال قد عبروا على ما يتضح ، لكن الظلام في ذلك الوقت كان قد خيّم بحيث لم نستطع أن نشاهد أكثر مما رأينا ، وقد حلت كذلك فترة من التوقف العميق للأصوات. على أن هذه لم تدم طويلا. فقد توقف إطلاق النار ، لكن صراخا وحشيا قد تعالى بدلا منه ـ صياح الرجال المختلط بصراخ النساء ، وجميع أصوات الرعب والفوضى واليأس. وفي خلال دقيقة أخرى تغطى وجه الماء بعدد كبير من القفف التي كانت قد التجأت إلى الساحل في بداية المعركة. فكان من الواضح أن الجند قد استولوا على البلدة في الجانب الثاني وأخذوا ينهبون ويسلبون في جميع الجهات. وقد استمر إطلاق النار ، لكن هذا لم يكن سوى إطلاق عابث كان يطلقه الجنود المعربدون لفتح باب مقفلة ، أو قتل يائس كان يقاوم مقاومة غير مجدية. ثم اقترب الضجيج شيئا فشيئا نحو النهر فحسبنا في الحال أكثر من ثلاثين قفة وهي تعبر محملة باللاجئين الهاربين في كل مرة. وسرعان ما ازداد تكاثف الظلام ، لكن الصخب ظل مستمرّا ثلاث