يستحق المشاهدة بالتأكيد. ففي خلال خبرتي كلها مع التركمان والأكراد أو العشائر المتنقلة معظمها لم أجد أناسا متوحشين تبدو عليهم مثل هذه الهيئة الهمجية. إذ يتدلى شعرهم السبط الأسود منتشرا من حول أوجههم الداكنة ، والنقاط الوحيدة التي يمكن أن يرتاح لها المرء في تقاسيمهم الوحشية التي تتجهم عابسة من تحت لباس رأسهم الغريب هي العيون السود النفاذة والأسنان البيض. وقد كان هناك في المخيم ألف من الجياد على الأقل ومثل هذا العدد من الرجال الذين يختلطون كلهم معا لتتكون منهم كتلة هائلة ، من ذوات الأربع وذوات الرجلين ، تبرز من بينها غابة كثة من الرماح. أما لباس هؤلاء الأعراب ، إذا كان من الممكن أن يسمى لباسا ، فقد كان لباس البدو الاعتيادي المألوف في البادية ـ أي الغترة الحمراء أو الصفراء المشدودة حول قمة الرأس بحبل سميك من الوبر ـ و «الدشداشة» المصنوعة من الشعر الخشن أو الخيش (البشت) ـ والعباءة التي تكون عادة من كل جنس ونوعية. وقد كان معظمهم قذرا رثّا. ولم يكن البعض منهم يرتدي «اللباس» ، وبعضهم الآخر لم يكن يملك ما يغطي به نفسه على ما يظهر سوى العباءة الخلقة المشدودة حول المحزم بقطعة من حبل الشعر وكان شعر البعض منهم سبطا منثورا على طبيعته ، وشعر البعض الآخر مضفورا بضفائر طويلة ، كما كانت سيماء الجميع حادة تنم عن كثير من الشموخ. وكانوا كلهم عجفا طوالا ، يبدون وكأنهم جياع للفريسة. لكنه لم يسمح لأي شيء يشتم منه رائحة هذا الاستعداد بالظهور أمامنا ، مع أنهم في لحظة واحدة تجمعوا حولنا بالمئات حالما ظهرنا بينهم. ومع أنهم أبدوا كثيرا من حب الاستطلاع ، فإن ذلك لم يكن مشوبا بالخشونة. لا بل كان الأمر بالعكس ، فحينما كان بعضهم يقترب منا اقترابا زائدا كان الآخرون يعتذرون عنه فيتراجع الجميع ليفسحوا لنا المجال بمشاهدة الشيء الذي كنا نتظاهر بالنظر إليه. وهنا كان يظهر الفرق بين عربي البلدة أو الفلاح وعربي البادية أو البدوي.
فالأول جلف فظ والثاني «جنتلمن». والحقيقة ، انهم على جميع ما في مظهرهم من وحشية وشراسة كان في عملهم وتصرفهم نوع من الأدب