وكانت الأسواق تنم على أكثر أمارات العنف إيلاما وإثارة للحزن. فقد سقطت السقوف المحروقة واختلط رمادها بالحبوب والتمور والعطاريات والرقي والقرع وسائر الخضراوات ـ أي جميع الأشياء غير الثمينة التي لا تستحق الأخذ. وديس حطام ما أتلف خلال النهب بالأقدام أو ترك مع قطع وكسر الأواني والأوعية التي كان يحفظ فيها فأصبح ذلك كله كتلة كريهة واحدة من الوساخة والقذارة التي كان ينبش فيها ويتسكع بينها عشرات من الأطفال العرايا تقريبا ، للعثور على شيء يأكلونه بلا شك. أما الحجر والدكاكين فقد كانت كلها مفتوحة خاوية ، وقد خلعت أبوابها وشبابيكها ـ ومن حسن حظ المدينة أن القسم الأعظم من هذه مبني بالطين والآجر ، ولو لم يكن الأمر كذلك لأتت النار التي أضرمها الجنون الطائش على كل شيء.
ثم ذهبنا لمشاهدة الأماكن المهمة التي وقعت فيها المعارك. فكان التخريب الحاصل في رأس الجسر أقل مما كنت أتوقعه لأن مدفعين كانا يصبان نيرانهما على تلك النقطة طوال النهار. وقد كان باب الحلة يمكن أن تشاهد فيه آثار القتال جميعها ، لأن القتال معظمه كان قد حصل هنا ، وهنا كذلك اختلط الحابل بالنابل ودخل الجنود في قتال مرير مع الأعراب المتقهقرين. إذ توجد هنا فسحة مكشوفة في داخل السور ، فاتخذ الجند مواقعهم فيها مع المدافع بينما هرب الأعراب إلى المنازل والبساتين المحيطة بها ، ومن وراء جدرانها كانوا يمطرون الجنود بنيرانهم الحامية ـ وهو عمل يجيدونه تمام الإجادة. هذا في الوقت الذي كان الجنود قد أطلقوا فيه على ما يقال من مدفعيتهم خمسمئة قذيفة على عدوهم غير المنظور. ولذلك تجد الأسوار والبيوت ملأى بآثار هذه القذائف ، كما امتلأت الباب بآثار الرصاص الذي كانت تمطره عليها البنادق. لكن الجنود هم الذين كابدوا ويلات المعركة في الغالب ، وكانوا على وشك أن يتقهقروا بعد أن استنفدوا ذخيرتهم لو لا أن تصلهم في الوقت المناسب الذخيرة التي نقلها عبر النهر زورق المقيمية مع النجدة من الرجال فزودتهم بوسائل جديدة وشجاعة متجددة.
ومن منظر الخراب هذا ذهبنا لزيارة مخيم زبيد ، الذي كان منظره شيئا