عشر من تشرين (١) الأول ـ ولكن لم يكن فيها شيء لي بطبيعة الحال ، فمن هو الذي يستطيع أن يمسك قطرة زئبق مثلي ويعرف عنوانه؟ فأنا اليوم هنا وغدا في مكان آخر ، ومضطر إلى التأخر الآن لسوء الحظ. ومع ذلك لم أستطع أن أكبح التأثر الذي شعرت به ، والحسد الذي ساورني ، لأني وجدت الآخرين يقرأون رسائل من أصدقائهم بينما حرمت أنا منها. على أنني تصفحت بشره قوائم الوفيات فحمدت الله على عدم وجود شخص أعرفه فيها.
لقد عاد المستر فنلي أدراجه لأن المركب لم يستطع السير نظرا لهبوط مستوى الماء في النهر ، الذي يتذبذب منسوبه على الدوام في مثل هذا الوقت من السنة تبعا للأمطار التي تهطل في الجبال. وهو قد يرافقني أنا والدكتور روص في سفرتنا التي نعتزم أن نزور فيها سوق الشيوخ وواسط.
وفي هذا اليوم زرنا شيخ زبيد ، الذي كنت آمل أن أحصل منه على دليل للقافلة يأخذنا في مستهل رحلتنا على الأقل إلى المناطق العربية. فقد تأكد تنحي عنزة وانسحابهم إلى بعد كاف لا يجعل منهم مصدر خطر عاجل على الأقل ولما كانت هناك قافلة تستعد للتوجه إلى الحلة ، فقد كنا نأمل أن نتحرك إلى الجزيرة بسلم وأمان. وقد وجدنا الشيخ في بيت محمد أغا حاكم الحلة ، فكان رجلا وسيم الطلعة خفيف الروح ، أشد سمنة من المظهر الذي كان يظهر به العرب ، وأكثر انهماكا بالمعيشة الطيبة مما يكونون عليه في العادة. والحقيقة أن السبب الوحيد الذي كان يحول دون التقائنا بهذا الشيخ من قبل هو عدم تمكنه من مواجهتنا نظرا لانهماكه بالفسق والمشروب. فهو في كل ليلة ضيف على أحد الناس في بغداد ، وهناك يعب من الخمرة ما يشاء حتى يصل إلى أقصى درجات السكر ، ولذلك كان يندر أن يرفع رأسه ويرى الناس قبل عصر اليوم التالي.
__________________
(١) أي أن البريد كان يستغرق في الطريق بين لندن وبغداد على ما يظهر حوالي شهرين من الوقت في ذلك الزمن. لكن الرحالة الفرنسي دوبريه ، الذي كان في بغداد في بداية القرن التاسع عشر ، يذكر أن الرسائل كانت تصل من إنكلترة عن طريق بيروت والشام وهيت في مدة تتراوح بين الخمسة والأربعين والخمسين يوما.