نهر الكرخة إلى البحر. ولا شك أن نظرة تلقينها على الخارطة تجعلك قادرة على فهم مواقع هذه القبائل المختلفة.
وجميع أفراد هذه القبائل الصغيرة ، وهي تتحدر من نفس الأرومة التي يتحدر منها إخوانهم في الجزيرة العربية ، أو أي مكان آخر يوجدون فيه ، يشبهون هؤلاء في جميع النواحي الأخلاقية الأساسية. فهم جميعهم يدعون بفضيلة السخاء ، وإكرام الضيف ، والعدالة ، وطهارة الذمة ، والوفاء بالعهد ، وبالصفات الحميدة المعروفة كالشجاعة والاستقلال وتعشق الحرية. وهم إذ يعترفون بكونهم قطّاع طرق ولصوصا لا يجدون ضيرا في الاستيلاء على ممتلكات الغرباء الذين ربما يكونون غير متفقين معهم على ضمان سلامتهم وأموالهم. والحقيقة أنهم يقفون ضد أي فرد من الأفراد حتى تطلب مساعدتهم أو يشتري تسامحهم أو رفقهم. وهم يحبون التجوال والحياة الرعوية التي ينتقلون فيها من مكان إلى آخر ضمن حدود معينة انتجاعا للكلأ الذي تحتاجه قطعانهم وحيواناتهم. على أنهم في الأيام الأخيرة أخذوا يجدون صعوبة في الحصول على الكفاية من الحبوب بطريقة المقايضة ، ولذلك صار قسم من كل قبيلة ينصرف إلى الزراعة وحراثة قسم من أراضي العشيرة لمنفعة الباقين. على أن هؤلاء الفلاحين أو العرب المزارعين يعتبرون منحطّين في نظر إخوانهم البدو المتجولين الذين يستخفون بمثل هذه الأعمال الحقيرة ، ويعتبرونها مهينة لعنصرهم الحرّ النبيل.
ومهما كان مقدار الفضائل التي كان من الممكن أن يتصف بها العرب الأقدمون فإن قليلا منها فقط قد تحدّر إلى ذريتهم الموجودة هذه الأيام ، في الجهات التي تمكن الأوروبيون أن يصلوا إليها على الأقل. فكما أن المعلومات المكتسبة بالإثم والجور قد فتحت عيون أسلافنا الأولين إلى عريهم وحرمانهم ، كذلك أيقظ الشعور بالفقر النسبي في مخيلة الأعرابي الاشتهاء للثروة والغنى ـ وهو شعور يهدم تعاطي الضيافة أو الكرم تهديما مباشرا ، لأن أسهل طريقة تمكنه من الحصول عليها ، أو الطريقة الوحيدة في الحقيقة بالنسبة لرجل في مثل عاداته وأحواله هي طريقة القوة والاغتصاب ، أي أخذ