والشجاعة ، مثل كثير من الصفات الأخرى ، هي بنت الظروف والأحوال الآنيّة ولا تنمو وتترعرع إلا تبعا لما تقتضيه تلك الظروف بالذات. فإن المقاومة العنيدة التي أبدتها قبيلة بني بو علي تجاه القوة البريطانية في رأس الخيمة ، والشجاعة الفائقة التي أظهرها العرب من الجنود المرتزقة في الهند في مناسبات كثيرة ، ووقفات الوهابيين الجريئة يمكن أن تتخذ كلها ، مع كثير مما يمكن أن يستشهد به من غير هذا ، أدلة واضحة على شجاعة العرب وبسالتهم.
ومع ذلك فإن الحال تنعكس في البلاد التي أتكلم عنها بحيث يصبح خلق الأعرابي الجبان ، على عتوه ، شيئا معروفا. وهناك عدة حوادث يمكن أن تروى من هذا القبيل. فقد حدث في مناسبة معينة ، حينما كان الكولونيل تايلور مسافرا بالزورق من البصرة إلى بغداد ، أن جماعة من العرب في إحدى القرى القائمة على ضفاف دجلة أزعجها تصرف أحد الرجال الذين كانوا يعملون في الزورق نفسه فاجتمعوا بأعداد كبيرة وأخذوا يقومون بحركات عدائية من دون أن يكون من الممكن تفريقهم بمختلف الوسائل ، ولذلك ارتئي من الضروري أن تطلق بعض الإطلاقات فوق رؤوسهم ، وأن يصليهم الحرس السپاهيون من فوق الزورق بصلية واحدة في الهواء. فكان لذلك تأثير آني فعال ، إذ وقع قسم من الرجال على الأرض ولاذ الآخرون بالفرار. أما نساء القرية ، أو المخيم ، فقد قوضن الخيام في الحال وتراجعن إلى هور صغير بالقرب من الموقع. وحينما استمر وقوع الحركات العدوانية ، وعاد الناس إلى التجمع بعد أن ازداد عددهم ، أنزل إلى البر فريق من الحرس السپاهي. فارتاع الأعراب لهذه التحضيرات المتخذة لمقاومتهم ، برغم تفوقهم الكبير في العدد ، وأخذوا يلوحون باستعدادهم للمفاوضة. وعلى هذا الأساس جرت بعض التفسيرات والتوضيحات فأعيد الصفاء إلى نصابه. وقد اعترفوا بعد ذلك بأنهم كانوا يتصورون بأن زورق المقيم هو من الزوارق الأهلية التي كانوا معتادين على
__________________
ـ بمئات القصص التي ربما كان قد تجاهلها حينما كتب بعض الجمل التي أوردها في هذه الرحلة. ولذلك ننبه القارىء اللبيب إلى ذلك ولا نخال أن شيئا من هذا القبيل يمكن أن ينطلي عليه.