هذه القاعدة ، ومع ذلك فقد رأيت ضآلة الخسارة التي حلت بأولئك الأعراب في هذه المناسبة ، وقلة تعريض أنفسهم للخطر.
وحوادث الثأر للدم هذه ، على ما تنطوي عليه من الفظاعات والشناعات ، لا تختلف إلا قليلا في طبيعتها عما هو موجود منها لدى الأمم الأخرى ، بما فيهم حتى سكان بلادنا نحن في الأزمنة القديمة. ومن الممكن أن نكتب مجلدات في تفصيلات هذا الموضوع ، لكنني أستطيع أن أقول إنك ستقتنعين بحادثة واحدة أو اثنتين ، على سبيل تقديم النماذج ، وهناك حادثة واحدة أراني مدفوعا إلى سردها لأنها حدثت بمعرفة رجل من أهالي بلادنا شهد بأم رأسه دورا من أدوارها.
فقد كان فرع من فروع بني لام على خصام مع قبيلة أخرى من العرب ، لا أتذكر اسمها ، وفي خلال هذه الخصومة سفك كثير من الدم بين الطرفين لإشباع الثأر الشخصي والانتقام لشرف الباقين من الأقارب. فصادف في يوم من الأيام أن رجلا إنكليزيّا كان يسيح في عربستان (خوزستان) استضيف في خيمة شيخ القبيلة الأخيرة ، فكانت مضيفته فيها ابنة الشيخ نفسه التي كانت تقوم مقام أبيها في هذا الشأن نظرا لعدم وجود أحد غيرها من الأسرة في ذلك الوقت. وحينما جن الليل لجأ كل فرد إلى فراشه ، بما فيهم الضيف الغريب ، لكنه انتبه قبيل الصبح على صوت صراخ عرف منه أنه صوت مضيفته الشابة وهي تستغيث وتقول إنها قتلت! فهمّ الجميع إلى محل الحادث ، حيث وجدوا البنت المسكينة تعاني سكرات الموت ، لأنها كانت قد طعنت في صدرها بثلاث طعنات عميقة بالخنجر. وحينما كان الجميع ينظرون إلى الضحية المحتضرة ويقدمون الإسعافات الممكنة لها سمع صوت من مكان مرتفع ، على مقربة من محل الحادث ، ينادي قائلا «أنا التي فعلت ذلك ، الحمد لله ، لقد قتلتها». فاستدارت الأنظار كلها إلى ذلك الاتجاه الذي شوهدت واقفة فيه امرأة عجوز تأتي بحركات انفعالية شديدة وحينما هجم الجميع نحوها ركضت إلى حيث كانت الخيام قد نصبت على حافة النهر ، وهناك ضويقت فسقطت فيه واختفت عن الأنظار.