اما القصة التالية من قصص الثأر العربية ، فهي على جانب أكبر من الهول والفظاعة ، وهي مستقاة من بعض يوميات الكولونيل تايلور عن القبائل العربية وتختص بفترة أبعد في القدم. فإن عشيرة المنتفك ، التي أشرت إلى قوتها وسطوتها من قبل ، تستمد قوتها الرئيسة في الأساس من قبيلتين رئيستين هما قبيلتا بني مالك والأجود. وهاتان القبيلتان ، وإن كانتا متحدتين في الوقت الحاضر ، كان بينهما خصام عنيف من قبل. وقد كان سبب النزاع اختلافهما على حق المرعى في مناطق معينة ، وكان بنو مالك هم المسيطرين بينما محقت الأجود. وباستثارة بنات القبيلة وتشجيعهن ، أخذ كل رجل من رجال الأجود يسلح نفسه للمعركة ويقتحم الموت في الذب عن البقعة التي كان آباؤه يرعون فيها قطعانهم. غير أن هذا الظفر الدامي على ما كان فيه من شدة وبسالة لم يكن كافيا تجاه ما كان يساور سليمان ، رئيس بني مالك ، من تنبؤ مفعم بالحذر. فقد كان يتخوف مما قد يصيب قبيلته من اقتصاص مخيف في المستقبل ، فيما لو بقي حتى ولو شخص واحد وخاصة من الرجال على قيد الحياة من القبيلة الخاضعة. ولذلك اتخذ ترتيبات فظيعة يعمد فيها إلى قتل نساء تلك القبيلة كلهن ، وبذلك يضمن القضاء على نسلها بمثل هذه الوسيلة البشعة. فنفذ هذا العمل الشيطاني ، ولم يسلم من النسوة إلا واحدة ألقت بنفسها على قدمي رئيس من رؤساء بني مالك فأنقذها بعطف منه بعد أن جازف بحياته من أجلها ، لأنه جرح وكاد يتقطع جسمه بالسيوف دفاعا عن محميته. ومن هذه الامرأة الشابة ، التي كانت حاملا في يوم المجزرة ، ولد عبد الله الذي أصبح فيما بعد مؤسسا لقبيلة استمدت اسمها من منشأ رئيسها الخاص فسميت «قبيلة اليتامى (١)». وقد وقعت المجزرة في واد من الوديان الجميلة التي يمكن أن توجد بين الجبال حتى في تجربة الجزيرة العربية الحجرية العقيمة ، حيث يمكن الحصول على الماء من قرب سطح التربة في كل مكان وتغطي الأرض في الربيع وأوائل الصيف بعشب غزير يكوّن مرعى ممتازا.
__________________
(١) لم نعثر على قبيلة بهذا الاسم ، لكن المعروف أن نخوة الأجود «يتيم» بالتصغير. ، وربما تكون لهذه الكلمة علاقة بالقصة.