وقد كان ذلك كله موضع الاعتبار الجدي عندي. فإن شخصية هذا الأمير العجيب ، والتقدم السريع الذي أحرزه في السلطة والسطوة خلال السنوات الخمس أو الست الأخيرة ، مع التبدل الأخلاقي الذي كان من الممكن أن يحدثه في هذا الجزء من آسية ، قد جعلت من المحتم علي أن أراه وأتعرف عليه ، لأتبيّن مقدار الصحة المنطوية في الروايات التي تروى عنه. وبهذا التفكير تسلمت من المعتمد كتابا إليه ، مع بعض الهدايا ، وكان غرضي من ذلك أن أقدمها إليه شخصيا بنفسي باعتبارها بداية لعلاقة صداقة يمكن أن تكون مفيدة وملائمة فيما بعد. وكانت خطتي في ذلك أنني بوصولي إلى أوشنو ، وهو مكان على مسيرة يومين من هنا ، وعلى بعد ستين ميلا من راوندوز فقط ، أن أبعث إليه بكتاب خاص أشرح له فيه هويتي وطبيعة الأوراق الموجودة عندي وأقترح عليه إذا ما أراد تسلمها من يدي أنا بالذات أن يبعث لي دليلا يوصلني سالما إليه ، وإذا كانت له فكرة أخرى في الموضوع ان يبعث لي شخصا يتسلم الهدايا من عندي. ويمكنك أن تتصوري مقدار ما أصابني من الخيبة حينما علمت أن المير بدلا من أن يكون في راوندوز كما كنت أتوقع كان على مسيرة عشرة أيام منها ، حيث كان منهمكا بتنفيذ الخطة التي وضعها
__________________
ـ مخلصة له لاستطاع أن يزدري بالقوى التي زحفت عليه كلها لكن المير لم يكن محبوبا. وكان البعض من ضباطه ميالين إلى الخيانة ، كما كان من المؤكد أن يكون أولئك الذين وقفوا إلى جانبه إلى الأخير في المناسبات الاعتيادية قد أفزعتهم رؤية أعلام السلطان وهي ترفرف أمامهم. أضف إل ذلك أن بقايا التبجيل لخليفة الرسول وزعيم الإسلام الديني منعت الأكراد عن مقاومة جنود السلطان بالسلاح. وقد شعر المير بهذا كله ، وبعد أن أضاع قلاعه الحصينة واحدة بعد أخرى استسلم في نهاية آب ١٨٣٦ م لعلي باشا والي بغداد. فأرسل مخفورا إلى إستانبول حيث أبقي بحجز شبه مبجل لمدة قصيرة ، وعفي عنه بعد أشهر قليلة ثم عين حاكما في بلاده بالذات بعد أن أعطي عهدا بالسلوك الحسن. لكنه لم يصل إليها قط ، ولم يعرف السبب في ذلك. ولا شك أنه قتل في الطريق بأمر من سيده الأعلى. (حاشية صاحب الرحلة نفسه ، والظاهر أنها كتبت أثناء طبع الكتاب بعد عودته إلى بلده).