علم بأنني حتى الآن أقودكم في طريق فرعية ، ولا بد لي أن أقول لكم الآن بأني لا آمن أولئك الخيالة الذين شوهدوا وهم يتعقبوننا في القرية. ولو كان هؤلاء من الأعداء فهناك مكان يتحتم علينا عبوره بعد قليل ويمكنهم أن ينتظروننا فيه ـ يجب علينا أن نجتازه في وضح النهار. ولذلك أعتقد أننا ينبغي ان ننزل هنا بهدوء حتى يبزغ الفجر ، انزلوا رجاء وناموا ـ لا تتكلموا ولا كلمة واحدة ، والله هو الموفق! ربما نستطيع أن نفلت». وهنا تدخل خدامي فتسلموا الحديث بلهجة التبجح الإيرانية المعتادة : لماذا نتوقف فنضيع الوقت؟ لماذا نعبأ بالأكراد أو العرب ، كلاب! حيوانات! من هم هؤلاء حتى يستطيعوا إيقافنا؟ دعهم يجربون لنعلمهم أن هناك إيرانيين ، رجالا يستهينون بحياتهم في سبيل حماية سيدهم. من يكن أولئك العرب حتى ولو كانوا عشرة أو عشرين؟ گورى پيده ريش! وغير ذلك. لكنني لا حظت أن الدليل كان متخوفا في الحقيقة ، فأسكت هذه الفورة البطولية وعلى هذا الأساس بقينا في مكاننا ساعة كاملة من الوقت فكانت ساعة شديدة البرد ومزعجة.
وبعد انقضائها خطرت للدليل فكرة جديدة في الموضوع ، أو تشجع بتوفيق من الله ، فوافق على متابعة السير وفعلنا ذلك محاذين نهرا صغيرا ذي عمق غير يسير كان يجري في مجرى كثير التعرج. وبعد قليل مررنا بمنزل ، من منازل العرب ، ومن حسن حظنا أنه كان يقع في الجانب الآخر من النهر. فهاجت كلابه مكوّنة جوقة هائجة من النباحين ، لكننا لم يقلقنا أي شيء آخر. وقد قضينا فترة شاقة متعبة حتى طلع النهار ، وعندئذ عبرنا النهر وسرنا في طريقنا إلى بقعة التلال المنخفضة التي كانت تحد السهل في هذا المكان. فكانت هذه تلال حمرين التي تعد فرعا من جبل حمرين الذي يمتد من كردستان حتى يتصل بسلسلة گودريان. وقد انتهى ركوبنا الطويل الشاق خلال الوهاد الجافة المعقدة ، التي كانت تتخلل هذه التلال ، بمسيرة لقينا فيها نفس المقدار من المشاق خلال سهل واسع منبسط ، يمتد من سفحها إلى دجلة وعلى طول ضفافها إلى خليج البصرة. لأننا الآن قد تخلصنا من آخر الحدود الصخرية وأصبحنا في السهل الرسوبي غير المنقطع الذي يتكون من دجلة