الممدود على الخالص فيها ، وقد تعجبت حينما عمد دليلانا فيها إلى تركها إلى يسارنا والتمادي في السير على الضفة الشمالية. وبعد ذلك مررنا بعدة قرى تستقي ماءها من الخالص ، ويتكوّن سكانها كلهم من العرب. وقد كان بالقرب من إحداها مخيم كبير من منازل الأعراب فسرني أن أرى الجدول يحجز بيننا وبينه. وكانت هناك منازل أخرى تنتشر بعيدا وقريبا إلى مسافة كبيرة ، وعند ذلك اتضح لي أن الدليلين عمدا إلى تعقيب الضفة الشمالية من الجدول على طول هذه المسافة ليتحاشيا المرور بها أو بما يقرب منها.
وقبل أن نصل إلى هذه القرية بقليل استدعاني أحد خدامي من الخط الأمامي في السير إلى الوراء لمراقبة الدليلين اللذين أصبح تصرفهما غريبا على حد قوله ، إذا لم يكن مريبا. إذ انضم إليهما رجل آخر من الأعراب كان يركب فرسا جميلة فأفزعنا أن نسمع بأنّ شيخا آخر يمنعه قلقه على سلامتنا من البقاء وراءنا ، ولكنه قفل راجعا لأهله فقيل لنا إنه وجد البلاد غير آمنة. على أن تردد الدليلين الباقيين وتخلفهما إلى ما وراء القافلة هو الذي كان يفزع خادمي. وحينما عوتبا على عدم التفاتهما إلى شؤون السير والطريق أجابا بفزع غير يسير بأن هناك كثيرا من خصومهما العرب في هذه الأنحاء. ثم تقدما بأنواع مختلفة من الطلبات للبخشيش أو الهدايا. فوجدت من الأحسن أن أتصنع الحزم والغضب ، بينما تفوه أحد خدامي بكلمة أو كلمتين للتملق. وما بين هذه وتلك اقتنعا بمتابعة السير مع كثير من الإحجام مرددين كلمة إن شاء الله عدة مرات ، ومبدين كثيرا من علامات التخوف. ولم ينفع ذلك كله في تهدئة المخاوف التي كانت تساور رجالي الذين لم يستطيعوا كتمان قلقهم حينما كانوا يتصورون أنهم يمكن أن يضربوا في هذه الجهات ويجردوا من ملابسهم ، إذا لم يقتلوا بدم بارد. ولم تكن حالتي الفكرية أنا على أكثر من ذلك هدوءا واستقرارا ، فلم يكن بوسعي أن أحلم فيما إذا كان تصرف الدليلين مبنيا على الخوف أم على الرغبة في المساومة واستغلال المخاوف التي قد يثيرانها فينا. فمرت علينا ساعات ثلاث ما بين منزل الأعراب الذي مررنا به وظهور النخيل المحيط بالقرية ، التي كان علينا أن نقضي ليلتنا فيها ، في الأفق البعيد فكانت أشد