هذا ذهب دليلنا مع أحد خدامي للتفاوض في هذا الشأن مع الأعراب الذين اقتربنا من خيامهم ، بعد أن تركنا راكبين على ظهور خيولنا بالقرب من أحد الجداول. وكان الأعراب جميعهم جالسين أمام خيامهم وهم يدخنون شطوبهم ويشربون قهوتهم ، وفي باب كل خيمة كانت تقف مهرة جميلة مسرجة ومهيأة للطوارئ مع رمح صاحبها مغروزا في الأرض بجانبها. وقد قيل لي إن هذا المخيم كان بوسعه تقديم أربعين أو خمسين خيالا يعتمد عليهم. لكننا بعد أن مرت علينا ساعة كاملة بهذه الحال لم نستطع الحصول إلا على اثنين فقط منهم ، إما لعدم الرغبة في مثل هذه الخدمة أو من جراء الكسل ، فكان ذلك مضيعة للوقت تبعث على الانزعاج.
على أن مقدار التأخير قد جعل على ما أحسب متناسبا مع العزة المنطوية في النتيجة ـ فقد عاد الخادم وبصحبته شيخان أو كبيران من كبار ذلك المخيم العربي ، وتوجه أحدهما إليّ شاهرا رمحه بطريقة تهديدية وهو يقسم برأسه ويقول إنه سيوصلني سالما إلى منزلي برغم كل ما يحدث في الطريق. فكان هذا كله شيئا حسنا على ما يظهر ، لكنني أرى أن الطمع في المكافأة المرتقبة هو الذي حدا بالشيخين أن يركبا جواديهما فيأتيان معنا.
فتابعنا السير بعد ذلك ، لكنني دهشت حينما علمت أن دليلنا الأول الذي جاء معنا من القرية في بادىء الأمر لم يكن يرغب في مرافقتنا إلى أبعد من هذا. على أنه رد على اعتراضي يقول إن بقاءه لا فائدة فيه بالكلية ـ لأن الدليلين الأعرابيين لم تكن فيهما الكفاية فقط وإنما هما الدليلان الوحيدان اللذان يمكنهما أن يجتازا بنا الطريق إلى هدفنا. والأنكى من ذلك أن هذين الدليلين لم يكونا يفهمان غير العربية التي كنا نجهلها نحن تمام الجهل. غير أننا لم يكن لنا محيص عن هذا ولذلك تابعنا السير عبر حقول القرية المحروقة وما بين السواقي الجافة والرطبة حتى جئنا إلى جدول عميق غير عريض علمت بعد ذلك أنه كان جدول الخالص الذي حاذينا ضفافه المتعرجة لعدة أميال في سيرنا.
وعلى بعد فرسخ من القرية مررنا بمحطة دلي عباس ، مع الجسر