عن بعضها ممرات متربة موحلة لا تستحق حتى أن تسمى أزقة ، مما يتكون منه القسم الأعظم من كل مدينة إيرانية.
ولا ينكر أن الشوارع ، حتى في هذه المدينة ، تكون في الغالب عبارة عن أزقة ضيقة غير مبلطة ، وموحلة في الشتاء من دون شك ، لكن المرء حينما يمر راكبا فيها وخاصة في المواسم غير الممطرة يتأثر حتما بفكرة أن الجدران المتينة القائمة على يمينه وشماله لا بد أن تحتوي في داخلها على مساكن مريحة جيدة تقاوم الأحوال الجوية ، بينما تؤيد الأبواب ذات الحجم المناسب والقبضات الحديد التي تحافظ على مدخلها ما يختلج في مخيلته من فكرة المتانة والأمان. أما في إيران فالأمر يكاد يكون بعكس ذلك ، إذ تكون مداخل البيوت ، وحتى بيوت الأشخاص المرموقين ، أشبه بفتحات الكهوف أو المغاور بدلا من أن تكون أبوابا لبيوت يأوي إليها أناس من البشر.
ولا تعدم شوارع بغداد الفتحات التي تسمح بدخول النور والهواء إليها. فليست الشبابيك المطلقة عليها كثيرة فقط بل توجد أيضا شرفات مطلة ، أو شبابيك بارزة (١) ، تخيم على الشارع فتسمح بدخول الضوء إلى الغرف التي يجلس فيها عادة عدد من الأتراك المتزمتين الذين يقضون الوقت بالتدخين. وإذا كنت محظوظا فقد تجد نفسك صدفة هدفا لأشعة نفاذة توجهها إليك من وراء المشبك (٢) نصف المغلق زوجان من العيون المشرقة. وقد ترى هذه الأجنحة المعدة للجلوس ممتدة أحيانا عبر الشارع لتتصل بالبيوت من الجانبين ، فتضفي بذلك تنوعا مبهجا على طراز البناء وخاصة حينما تشاهد وهي نصف مظلمة بسعف النخيل الذي يعلوها من ساحة الدار في الداخل. وقد كان هناك في الجو العام المتكوّن من التنوع البارز ، وطراز البناء ، والملابس الغريبة ، واختلاط الخضرة ، وخاصة سعف النخيل ، ما يعيد إلى الذهن ، حينما ينظر إليه من وسط الشوارع الأكثر استقامة ذكرى مشوشة عن بلاد أخرى أكثر
__________________
(١) شناشيل.
(٢) القيم.