اشتهارا في العالم ـ بلاد عليها مسحة ما ديرا في جزر الهند الشرقية والغربية أو ما أشبه ـ بلاد تولد في النفس مقدارا من البهجة والانشراح يزيد ، على كل حال ، على المنظر الحقيقي الذي أراه أمامي.
هذه هي الانطباعات التي تكوّنت لدي عما رأيته أثناء مروري بالبلدة ، لكن ضفاف النهر كانت ترينا منظرا مختلفا تمام الاختلاف وأكثر جاذبية وجمالا من كل ذلك. فإن تدفق نهر جليل معروف يعد شيئا طريفا في جميع الأزمان ، لكنه حينما تكون ضفافه مزدانة بخط طويل من الأبنية المؤثرة في النفس ـ إذا لم تكن جميلة تمام الجمال ـ ومظللة ببساتين النخيل وارفة الظلال ، فضلا عما يزيد في رونقها مئات الزوارق وضجيج الآلاف من الناس ، وحينما يكون مجراه قد مد من فوقه جسر من الزوارق يعبر عليه سيل دائم التدفق من الناس والخيل والجمال والقوافل ، وحركة نقل عظيمة من جميع الأنواع والأشكال ، فإن اللمحة المتكونة من جميع هذا يصعب عليها أن تقصر عن رسم صورة حية جدا في مخيلة الرائي. وهذا بطبيعة الحال هو المنظر الحقيقي لدجلة حينما تنظر إليه من أية نقطة كانت على ضفتيه ، حيث تستطيع أن تحصر في مدى رؤيتك جميع الحيز الذي تشغله المدينة الحالية.
ولم تكن النظرة الأولى التي ألقيتها على دجلة تدل على ما كنت أتوقعه على وجه التأكيد : فلا يمكنني أن أقول إنني قد خاب أملي تماما فيه لكني كنت أتوقع أن أرى نهرا أكثر عرضا واتساعا مما رأيت. على أنني أعتقد أنه أحسن بعرضه الحالي لأن العين تستطيع في الوقت الحاضر أن تشرف على الجانبين بسهولة. أما جهة البلد المطلة على النهر فقد كان عجبي فيها مفعما بالبهجة والسرور. فلم نجد فيها إلّا القليل من الجدران العارية ، لأن معظم البيوت لها عدد كبير من المشابك (القيم) والشرفات (الشناشيل) أو الشبابيك البارزة التي تطل على النهر. وبالقرب من الجسر جامع جميل بقبابه ومنائره ، وهو منظر يبعث في النفس السرور والارتياح (١). وهناك بوجه عام شموخ يستحق الاعتبار
__________________
(١) إذا كان هذا الجسر في نفس الموقع الحالي لجسر الشهداء ، أو الجسر القديم ، وهو ـ