في خط الأبنية المطلة على النهر من ضفته اليسرى ، فيضفي تنوعا ظريفا على المنظر. وليس الجانب الأيمن ، أو الغربي ، من النهر على مثل هذا الجمال في طراز الأبنية وامتدادها ، لكن بساتينه (١) الواسعة ونخيله المتشابك المختلط بالأبنية تسبغ عليه منظرا مبهجا إذا ما نظر إليه من الجانب الآخر المكتظ بالسكان.
على أنني يجب أن أعرف بأنني قد خاب أملي بأسواق بغداد. وليس السبب في ذلك افتقارها إلى السعة والامتداد ، لأنها على مقدار كاف منهما ، ولا خلوها من الناس ، أو عدم وجود حركة فيها ، لأنها تكون في كثير من الأحيان مكتظة اكتظاظا كافيا فتظهر بمظهر يزيد تنوعا وبهاء عما يلاحظ عادة في الأسواق الإيرانية. وإنما هناك من ناحية البناء والعمارة فقر في التخطيط وبساطة في التنفيذ ، ومظهر من مظاهر التهدم ، الذي يعزى جزئيا إلى الكوارث التي أصابت المدينة مؤخرا بطبيعة الحال ، لكن كثيرا منه يرجع السبب فيه إلى عيب أصيل وجد في طراز البناء منذ البداية. على أن بعض الأسواق ، ومنها صف ثلاثي أو رباعي ممتد إلى مسافة غير يسيرة من تشييد داود باشا ، قد بني بناء جيدا بالجص والآجر المفخور ، وظلل عن الشمس بسقوف ذات طوق عالية مبنية بالمواد نفسها. لكن أسواقا أخرى كانت خربة جدا ، وكانت سقوفها مصنوعة من مرادى الخشب الممدودة بصورة وقتية غير منتظمة والمغطاة بالسعف أو القش وبالقصب. أما الدكاكين نفسها فهي دكاكين بسيطة فقيرة ، غير مرممة في كثير من الحالات ، وكثير منها فارغ غير مشغل. وقد كان يلاحظ في معظم الأماكن ذلك الجو المتسم بالإهمال والقذارة ، الذي يدل تمام الدلالة على الجنوح إلى الانحطاط والإهمال العام.
__________________
ـ الأرجح فإن الذي يحاول عبوره من هذا الجانب (الشرقي) يجد في رأسه من الجهة اليمنى جامع الوزير أو جامع حسن باشا العتيق الذي بناه كوجك حسن باشا خلال ١٦٤٢ ـ ١٦٤٤ م ، ومن الجهة اليسرى جامع الآصفية (تكية المولوية).
(١) ذكرنا في حاشية أخرى من حواشي هذه الرحلة أن نيبور الذي زار بغداد في منتصف القرن السابع عشر وجد في جانب الكرخ حوالي ألفي بستان وحديقة معمورة.