وهناك في مختلف أجزاء البلدة عدة فسحات مكشوفة يباع فيه البعض من أنواع السلع ، وقد سميت بأسمائها ، مثل «سوق الغزل» و «سوق الموسلين» و «سوق الحنطة» وما أشبه (١). ومن بين هذه كلها كانت أكبرها وأزهاها السوق القريبة من الباب الشمالية الغريبة ، أو باب الموصل (٢). غير أن أية سوق من هذه الأسواق لا يمكن أن تمت بصلة إلى أي رونق أو بهاء ، وحتى إلى النظافة بالذات. والحقيقة أن السوق التي ذكرت لآخر مرة هي «ميدان» (٣) المدينة الكبير. وتعرض الخيل هنا للبيع ، وهو محاط بالمقاهي الممتلئة على الدوام بجمهور من جميع أنواع الناس الذين يجلسون فيها للتدخين وشرب القهوة وما أشبه. وهو في الوقت نفسه الميدان العام للاستعراض ، وتنفيذ أحكام الإعدام كذلك ، لأن المجرمين يعاقبون هنا بقطع الرأس والشنق أو الجدع (قطع الأيدي والأرجل). فكثيرا ما يلاحظ المارة أمامهم جذعا مقطوع الرأس ، أو جذعين ، يعرض على الناس خلال اليوم تنبيها لفاعلي الشر. على أن التركي المتزمت ، الذي لا يتأثر بهول المشهد ، يدخن شطبه بهدوء أو يمر بما يشاهده من دون أن يعبأ به ، أو يغمغم بكلمة لا إله إلّا الله. وحتى هذا المكان الذي يستعمل لكل شيء لا يحتوي على أكثر من أيكر (٤) ونصف من الأرض على ما أعتقد.
__________________
(١) لقد زار الكوماندر فيلكس جونز بغداد في ١٨٤٦ م ، أي بعد مجيء فريزر صاحب هذه الرحلة باثنتي عشرة سنة فقط ، وذكر قائمة الأسواق والمحلات التي كانت في بغداد يومذاك فيما نشره ، في مجلة جمعية بومبي الجغرافية ما بين سنتي ١٨٤٩ ، ١٨٥٦ م ، فلم أجد ذكرا لسوق الموسلين وسوق الحنطة فيها ، ولعل الأخير هو سوق العلوجية. لكنني وجدت ذكرا للكثير من الأسواق التي لا تزال تسمى بنفس الأسماء (أي بأسماء السلع) مثل سوق الصياغ وسوق التمارة (الشورجة) وسوق الصفافير وسوق القز وسوق البزازين وسوق اليورغانجية وسوق التوتونجية وغير ذلك.
(٢) لعله يقصد «باب المعظم» التي كان موقعها بالقرب من باب وزارة الدفاع الحالية بامتداد الجدار الذي يحجز بين تلك الوزارة وبناية قاعة الشعب. وقد كانت تسمى قبل ذلك باب سوق السلطان أو الباب السلطاني الذي هدم في ١٩٢٥ م.
(٣) لا شك أنه ساحة الميدان الحالية.
(٤) الأيكر يساوي (٤٠٠٠) متر مربع.