هذا وتستحق بغداد ، من حيث شهرتها القديمة وأهميتها الحالية ، أن يؤتى على وصفها بأكثر مما أنا مستعد لتقديمه إليك من الوصف التفصيلي الدقيق. ولما كنت أعتقد أنك يمكن أن تنزعجي إذا ما أقدمت على ترك القصة وهي مبتورة غير كاملة ، أجد نفسي مدفوعا إلى الاستعانة بشيء من المصادر الأخرى لأجل أن يتسنى لي تقديم فكرة أوضح عما تكون عليه هذه المدينة التي سارت بذكرها الركبان ، أو عما كانت عليه قبل أن تنزل بها الكوارث الأخيرة. ويبدو لي أن الوصف الذي عمد إليه بكنغهام في كتابه «رحلات في بلاد بين النهرين (١)» هو على درجة من الجودة بحيث إنني سوف لا أترك مجالا متيسرا من دون أن أبادر فيه إلى اقتباس شيء منه ، لأنك قد لا يتسع لك المجال لمطالعته.
فيقول المستر بكنغهام «إن ما في داخلية البلدة من الأشياء ذات الأهمية يقل عما يتوقعه المرء من الشهرة الجديرة باسمها كمركز شرقي كبير للثروة والأبهة. فإن قسما كبيرا من الأرض الداخلة في ضمن الأسوار غير مشغول بالأبنية ، وخاصة من الجهة الشمالية الشرقية. وحتى في الأماكن التي توجد فيها الأبنية والعمارات ، وخاصة في محلات المدينة التي يكثر فيها السكان بالقرب من النهر ، تلاحظ وفرة الأشجار. وعلى هذا فحينما كان ينظر إلى كل ذلك من سطح أية دار من الدور الكائنة في داخل الأسوار كانت المدينة تبدو كأنها قائمة في بستان كبير من النخيل ، أو مثل ما كانت بابل عليه من كونها إقليما مسورا وليس بلدة واحدة.
«وقد بنيت الأبنية كلها ، العامة والأهلية ، بالآجر المفخور ذي اللون الأحمر الضارب إلى الصفرة ، والحجم الصغير ، والزوايا المدورة الدالة على أن معظم هذا الآجر كان قد استعمل عدة مرات من قبل لأنه ربما كان قد أخذ من
__________________
(١)J. S. Buckingham, Travels in Mesopotamia) London ٧٢٨١ (والجزء الثاني من الكتاب هذه يختص بالرحلة من الموصل فكركوك فبغداد فبابل. وللمؤلف كتاب رحلة آخر عنوانه :Travels in Assyria, Media, and persia,) London ٠٣٨١ (هذا وقد زار بكنغهام بغداد في أيام داود باشا ، أي قبل أن يفتك بها الطاعون ويهدمها الغرق الذي وقع في ١٨٣١ م كما سيأتي في هذه الرحلة.