ذهبت إليها غريبة جدا من حيث وجود كل نوع من أنواع الأصوات التي يمكن تصوره فيها ، ويعد سكانها بوجه عام أشد الناس صخبا. فالغرفة التي أسكنها الآن لها شرفة تطل على الشارع وشباكان ، بحيث إن كل شيء يمر من تحتها يسمع بحذافيره كما لو كان يحصل في داخل الغرفة نفسها. ولذلك يعزف عندي قبيل طلوع النهار جوق من الديكة والدجاج الموجود في ساحة مجاورة ، وترتفع أصواته. ويعقب هذا بوق النهوض الذي يدق في جناح الحرس السپاهيين التابعين للمقيمية ، فيثير بدوره نباح عدد من الكلاب. ويظل النباح مستمرا حتى تبدأ الحمير بالنهيق. وما يحل ذلك الوقت حتى يكون الأعراب المجاورون الذين التجأوا إلى المدينة بسبب اضطراب الحالة في خارجها قد شمروا عن سواعدهم وأخذوا يسوقون إلى المرعى قطعان الأغنام والماشية والجمال التي جاءوا بها معهم طلبا للأمان. ولا بد أن تكون هذه الحيوانات أكثر حيوانات العالم صمما تجاه الرعاة ، أو أن الرعاة يسيئون معاملتها إساءة غير يسيرة. لأنها تنادى بمختلف الأصوات العالية بقصد إقناعها بالحركة والخروج إلى الخارج ، فيؤدي ذلك كله إلى تكوّن هدير وثغاء لا مثيل له في أي مكان آخر. وعلى هذه الشاكلة يتجمع قطيع بعد آخر فيزداد الهرج والمرج وتعلو الضجة فتشتبك الأصوات. وما تبدأ بالحركة ويقل الضجيج حتى تعقبه أصوات أخرى ويتعالى ضجيج من نوع آخر ، فهناك أصوات المارة والمستطرقين والشحاذين ، والأصوات المتعالية من بعيد وغير ذلك ، ولا أظن أن هذه الأصوات يمكن أن تضاهيها أصوات پيكاديللي بكل عرباته ، ولا شارع كوكسبر أو تشرينغ كروس ، ولا سميث فيلد في يوم السوق الخاص. ولا غرو فهذه بغداد الوريثة الحقة لبابل القديمة.