الإجراءات الوقائية لكان من الممكن أن يجرد هذا المرض من تأثيراته ، ولقل عدد ضحاياه إلى حد كبير. لكن التراخي وعدم المبالاة الممتزج بعقيدة واهية بالقضاء والقدر يمنعانهم من إجهاد أنفسهم في هذا الشأن ، مع أن هرب الآلاف من المدينة بأمل التخلص من الوباء الذي تسرب إلى مساكنهم يبرهن بطريقة لا تقبل الجدل بأن اعتقادهم بالقضاء والقدر غير راسخ أو تام بأي حال من الأحوال.
وقد تم هذا الفرار في الوقت المناسب ، وهرب اللاجئون ولكنهم هلكوا في مكان آخر وفرصة أخرى. وفي غيرها نقل الهاربون المرض معهم ونشروا سمومه هنا وهناك حتى ماتوا ميتة تعيسة في البر أو البادية. ومع كل ما كان يبذله الأورپيون من عناية أو حيطة لم تكن هذه في بعض الأحيان كافية لدرء العدوى وإبعادهم عنهم. فالقايروس (١) على درجة من الدقة بحيث إن أقل اتصال يحصل يكون كافيا لإيصاله من شخص إلى آخر ، ويستطيع أصغر حيوان نقله من محل لآخر. ولذلك تكون القطط والجرذان والفئران حيوانات خطرة في هذا الشأن ، وتصبح القطط على الأخص وهي تألف الإنسان أشد خطرا عليه ، ومن أجل هذا يقوم الذين لهم عقيدة بأهمية الحجر والعزل بإتلافها حيثما توجد. ومن الحوادث المميتة المسببة عن الاتصال بمثل هذه الحيوانات الحادثة التي وقعت في بيت أحد نصارى بغداد المتصلين بالمقيمية البريطانية. فقد كان هذا ممن يقتدون بالمقيم في غلق داره ، وعدم فتحه لأحد. غير أن ابنته في هذه المرة لمست قطة كانت تتردد على البيت ، وكانت هذه القطة قد خرجت إلى الخارج أو اتصلت بقطة أخرى فأدى ذلك إلى نقل المرض إلى البيت وإصابة البنت به فقضت نحبها. وقد كانت الطفلة المسكينة منذ اللحظة الأولى على علم بمصيرها ، حيث كانت تقول «أصبت بالطاعون ، وسوف أموت» فأيدت الأعراض التي ظهرت عليها ما تنبأت به وأسلمت الروح بعد أيام أربعة.
__________________
(١) لقد أثبت العلم الحديث في نهاية القرن التاسع عشر أن الطاعون مرض يسببه ميكروب خاص من نوع الباكتيريات العضوية (باسيلس) ، وهو ليس من نوع الفايروس ، كما أثبت أن عداوه تنتقل بطريق الجرذان والبراغيث وما أشبه في الغالب.