ومن المحتمل أن يكون المرض قد جيء به إلى بيت الكولونيل تايلور بطريقة عرضية مثل هذه ، مع أنه هو وجميع من كان يسكن معه كانوا على علم بأن البيت ومداخله كلها كان مغلقا غلقا محكما. ففي اليوم العاشر من نيسان مات أحد الحرس السپاهيين به ، وأصيب أربعة من خدامه. وكان المرض قد انتشر في هذه المرحلة انتشارا أدى إلى موت سبعة آلاف شخص في القسم الشرقي من المدينة ، وهو القسم الذي كان يقع فيه مسكن الباشا والبعثة البريطانية وجميع الناس المعروفين. وكان أخبار الجانب الثاني على جانب أقل من الفظاعة ، لكن هلع السكان اشتدت وطأته بارتفاع مستوى المياه في دجلة ، التي انبثقت من السدود المقامة على جانبيها فغمرت الأماكن المنخفضة من الناحية الغربية ، ودخلت المدينة حيث كانت ألفان (١) من البيوت قد تهدمت من قبل على ما يعتقد. وقد حيل دون الكثير ممن كان يمكن لهم أن ينجوا بأنفسهم لا بانتشار هذه المياه فقط بل بوجود الأعراب أيضا ، الذين أخذوا يتجمعون الآن حول المدينة فيسلبون الخارجين منها جميعهم إلى حد العري.
فبالحصار الذي تم على هذه الشاكلة تسنى للوباء أن يفعل ما يفعل بكل حرية ، ووقع الناس فريسة له بسرعة لا تصدق. ولما وجد الكولونيل تايلور أن داره قد تسللت إليها العدوى لم يبق لديه سوى أن يستخدم الوسائل المتيسرة عنده للفرار في الوقت الذي كانت لا تزال هناك إمكانية يستغلها لذلك. وكانت زوارقه ، التي كان قد جاء بها من البصرة هو وأسرته ، لا تزال مشدودة بجدران المقيمية من جهة النهر بحالة استعداد للخدمة الآنية. فقرّر أن يستقلها في الحال ، وكان من حسنات هذا الوضع والموقع أن تلك الزوارق قد ارتفعت بارتفاع المياه في النهر حتى صارت في مستوى الباب الخلفي للدار ، وأن سكان الدار كان بوسعهم أن يتخذوا الاستعدادات المطلوبة وينتقلوا إلى
__________________
(١) جاء في «أربعة قرون من تاريخ العراق الحديث» في هذا الشأن «.. وفي ليلة السادس والعشرين (نيسان) انهار قسم من المسناة الواقعة في الجهة الشمالية من المدينة وقسم من القلعة. ففاض الماء وتساقط على أثر ذلك من الدور ألفان في بضع ساعات ..»