وقد تبينا من الحفلة الافتتاحية أن إلقاء ما عددنا من بحوث سيكون مشكلا عويصا فإن هذا كما أسلفت مهرجان لا مؤتمر والوقت المحدد لكل قائل ، نصف ساعة ليس إلا والجمهور يطلب الكلام المؤثر. وكنت قد شاورت إخوانى قبل ذلك فأشار الدكتور طه بأن تلقى خلاصات لما أعددنا وأن ندفع البحوث المطولة إلى المجمع للنشر فى أوانه وقد فعل هو ذلك وفعله أيضا أحمد أمين بك والأستاذ أحمد الشايب والدكتور عزام ، أما أنا فأقبلت على كلمتى أحذف منها وأختصر فما أجدانى هذا شيئا وخطر لى أن لعله كان الأوفق أن يكتفى بحفلة الافتتاح ، وحفلة الختام ، فيحضرهما الجمهور ويصفق فيهما لما يسمع على هواه ، وتعقد فيما بينهما جلسات فى الصباح والمساء لإلقاء البحوث المطولة على الراغبين فى الاستفادة من طلاب الأدب والعلم غير إنى تبينت أثناء المهرجان أن هذا مستحيل ، فإن لكل مدينة كبيرة من مدن الشام شخصيتها الخاصة وهى حريصة عليها ، ضنينة بها والتنافس بينها قائم فلا معدى عن إقامة حفلات بها كالتى تقام بدمشق وإلا غضب وقد فكرت فى هذا وعلته ، فلما قمنا برحلتنا الطويلة إلى حمص وحماة وحلب واللاذقية رأيت أن المدن متباعدة وأن الجبال والسهول تفصلها والعمران غير متصل بينهما فلا غرابة إذ أحست كل مدينة كبيرة أنها قائمة بذاتها وأن لها شخصيتها الخاصة التى تتميز بها وتنفرد على خلاف الحال فى مصر ، فإن اتصال العمران بين المدن ينفى الإحساس بالاستفراد وتميز الشخصية ويجعل حياة كل بلد ، متسربا فى حياة البلد الآخر ، أما فى الشام فحلب مثلا هى حلب ، ودمشق هى دمشق ولكل منهما خصائصها وهذا التميز ملحوظ