وكانت القاعة خاصة بالرجال ، ومجهزة ما يحمل صوت المتكلم ، ولو كان خفيضا كصوتى ، إلى آخر ما فيها ، بل يجعله يجلجل كالرعد ، إذا كان معدنه قويا كأصوات فخامة السيد القوتلى ، أو السيد عراف النكدى أو السيد شقيق جبرى الشاعر وهذه لا حاجة بها إلى معين فإنها سمع الصم.
وللقاعة شرفات ثلاث ممتدة على الجوانب الثلاثة ـ من فوق كانت هى أيضا غاصة ، ولكن بأندى زهرات دمشق. وكن جميعا" يجلسن" سافرات لا يرحمن ضعفنا ولا يترفقن بطيننا الواهى الخرع ، على أن قلبى مات من زمان فلا خوف عليه أن يصاب بسهم من هذه العيون التى لا أمان لها ، فكنت أغافل جيرانى وأصعد طرفى واختلس النظرتين من حين إلى حين ، ولم يكن هذا منى من قبيل العبث أو على سبيل الشيطنة وإنما كان لأنى أفكر وأتعجب.
وملت على جار لى قلت مازحا" هل نساء الشام دميمات؟ " فجاهد أن يخفض صوته وهو يقول هامسا وبوده لو تسنى له أن يصح" العمى" الا تراهن؟ "
فلم أرحمه وسألته" إذن لماذا يتحجبن؟ " فرمانى بنظرة ولم يجب. ودارت عينى فى مقاعد الرجال ـ تحت ـ وعدت إليه أغمزه فابتسم وهو يلتفت إلى ويسأل" هل ركبك عفريتك؟ "
قلت" لا تخف على ، بل خف على نفسك؟ " انظر" وأومأت بإصبعى إلى آخر الصف الأول الذى يواجهنا ونحن على المنصة.
فنظر وهى رأسه وأدار إلى وجهه وسأل" ماذا؟ "
فكانت هذه فرصة أثأر فيها لنفسى ، فصحت به" العمى ألا ترى الآنسة" فلك طرزى (٥١) جالسة بين الرجال؟ ".