ويحسن قبل أن أتناولها بكلام أن أقول إنى حرصت فى كل رحلاتى ، وهى كثيرة على مبدأين : لم أحد عنهما قط ، وإن كانت صلات المودة والصداقة بينى وبين كثيرين من أبناء البلاد العربية الشقيقة تغرى بالتبسط وترك التحرر والتحفظ ، فأما المبدأ الأول : فأنا لا أدخل فى أمر داخلى للبلاد التى أزورها أو أتطفل عليها بالخوض فى شئونها أو التعرض بخير أو شر لأحد من رجالها ، وأما المبدأ الثانى : فأن أكون مصريا قحا لا يعرف غير مصر ولا يجعل باله إلا إلى سمعتها ولا يذكرها أو يسمح بذكرها أو ذكر أحد من رجالها بغير الخير وقد كلفنى هذا شططا وحمل أعصابى فى بعض الأحيان فوق طاقتها فما كانت أحوالنا فى كل حال بالمرضية. وأنا رجل أوثر الصراحة والحق على المداورة والمكابرة ولكن الواجب هو الواجب ومن فضل الله أنى تعلمت وتعودت أن أقدم الواجب على الهوى.
ولعل أكثر المصريين لا يدرون أن مصر كتاب مفتوح تقرأه البلاد العربية صفحة ، صفحة ، وسطرا سطرا ، وحرفا حرفا ، وقد لا يدركون أن لبلادهم مقاما ممتازا ومنزلة ملحوظة وأن صحفها تدرس ـ ولا أقول تقرأ ـ وتغربل وتنخل ولا يهمل منها حتى الإعلانات وأن القوم يعرفون أعلامنا واحدا واحدا وفى وسعهم أن يكتبوا لهم تراجم دقيقة مستفيضة وأنهم واقفون على أحوالنا وسير الرجال عندنا ومجرى الحوادث فى أرضنا وقوفا يدهش ويروع ويربك.
فى سنة (١٩٣٦) كنت عائدا من العراق مع صديقى الأستاذ أسعد داغر (١) إلى شرقى الأردن من صحراء جرداء لا ماء فيها ولا