سواه. ومع أن برادع تلك الحمير قاسية ، وتشبه كل الشبه / ٤ / البردعة المستخدمة في أوروبا ، إلا أن لها سمات خاصة بها ، ولا نشعر بالضيق ونحن نجلس فوقها. وتنتشر التزيينات الأنيقة فوق السجاد ذي الطرر الذهبية ، التي يكون لها وقع في النفوس عجيب. وأضيف في هذا السياق أن مكاري القاهرة هم أطفال حيويون وأذكياء ، ولكنهم يصبحون في سنوات قليلة بلهاء : إذ إن ضربا من الطيش المبكر هو الذي يجعلهم يتحولون هذا التحول المؤسف.
كانت قافلتنا الصغيرة تتألف من أربعة من الأعيار ، ومن عشرة جمال لازمة لنقل خدمنا وعددهم خمسة ، وكانت أمتعتنا ذات حجم مقبول ؛ لأننا مقدمون على رحلة طويلة ، وينبغي أن نحمل معنا كل لوازمها من خيام وأسرة ، وسجاد ، ومؤن من كل الأنواع ، والنبيذ حتى الماء ، كان ينبغي أن نحمل كل شيء حتى آنية الطعام وأدواتها ولوازم الطبخ.
كان قصر العباسية ، آخر مكان مسكون تراه بعد مغادرة القاهرة ، والعباسية قصر فخم ، رهيب ، بناه الخديوي عباس باشا (١) على حدود الصحراء
__________________
(١) عباس باشا بن طوسون باشا بن محمد علي باشا (١٨٤٩ ـ ١٨٥٤ م) تولى حكم مصر في عام ١٨٤٨ بعد وفاة والده طوسون في ١٠ نوفمبر (تشرين الثاني) ١٨٤٨ م.
وتوفي في يوليو (تموز) ١٨٥٤ م ، وقد كثرت الروايات عن وفاته ، وقد نال نصيبا وافرا من انتقادات الرحالة ، ويبدو أنه كان يكره القناصل الأجانب ويؤثر عنه قوله : «إذا كان يتحتم علي الخضوع لأحد ما ، فإنني أفضل الخضوع للخليفة ، لا للمسيحيين الذين أكرههم». وقد حاول إخراج مصر من دائرة النفوذ الفرنسي ، فصبّ عليه الرحالة والسياسيون الفرنسيون جام غضبهم. اقتنى عباس باشا الحيوانات ، وخصوصا الجمال القوية التي حصل عليها من الحجاز ، ولم يكن يأذن لأحد بزيارة حظائره لأنه كان يخشى شر عين الحسود على الجياد ولذلك أصدر أوامره بإلقاء القبض على كل من يقترب من الإصطبلات والحظائر ، وكذلك من أبراج الحمام ، لأنها كانت تحوي أجمل وأندر الأنواع. لقد أقام عباس في المناطق البعيدة النائية حيث الهواء النقي ، فبنى القصور في العباسية ، وعند جبل المقطم ، فكان محل إقامته أشبه بالقلعة ، يعسكر فيها مع موظفيه بعيدا عن دسائس القناصل. انظر بخصوص فترة عباس باشا كتاب : مصر في كتابات الرحالة الفرنسيين في القرن ـ