وأضاف الخواجا نجم أخيرا بأن جيشا تركيا جرارا تحرك من الشمال باتجاه بغداد وبلاد فارس ، فاستعاد الموصل وكركوك. لكني لم أصدق هذا الخبر ، مع يقيني ان هذا الأمر لا بد ان يحدث لكنه سابق لأوانه ، إذ ليس من الممكن هذا الزحف السريع واسترجاع الموصل وكركوك بهذه السرعة.
إن هذه الأخبار تشاع ـ باعتقادي ـ لتقوية معنويات الأهالي ، وبصورة خاصة شعب البصرة المحاصر.
في ١٩ آذار قام رجل من أكابر البصرة اسمه «الشيخ عبد السلام» (١) فجمع حوله عددا من أفراد أسرته وأصدقائه وأتباعه وتوجهوا إلى الجبهة لنجدة الباشا ، وانطلق معه بعض الصابئة نحو مئتين من طائفتهم يحملون البنادق ومختلف أنواع الأسلحة. لكن هؤلاء جميعا لا يقارنون بقوة القزلباش واستعدادهم القتالي.
في ٢٢ آذار رأيت في الساحة امام دار الباشا حمارا وحشيا صغيرا ، وعلمت ان الباشا يحتفظ به للتسلية ويربيه في بيته. إنه لا يختلف عن سائر الحمير ، لكنه أكثر بياضا ، وفي ظهره خط أشقر اللون يبدأ في رأسه وينتهي عند ذيله. وهو سريع الجري ، أنشط في القفز من الحمير لأنه أخف وزنا منها.
في ٢٣ آذار عاد إلى البصرة رجل برتغالي كان في معسكر الباشا ، فروى كيف ان القزلباشية انسحبوا إلى أراضيهم ، وكان انسحابهم سريعا بحيث أنهم تركوا عددا كبيرا من الحيوانات أي المواشي ، وكمية وفيرة من المؤن.
إن هذا الانسحاب السريع ، غير المتوقع ، لم يكن فرارا أمام جيش الوالي ، ولكن لأحد أمرين : فإما أن موقع «هرمز» كان في خطر ، أم أن أحداثا جساما كانت على وشك الوقوع من طرف العثمانيين ، أو من جهة المغول ، لأن الفرس سبق ان تحرشوا بهؤلاء.
في الحادي والثلاثين من آذار عادت إلى البصرة سفينتان برتغاليتان كان القائد العام قد أرسلهما لخطف المدافع الفارسية كما ذكرت أعلاه ، لقد عاد
__________________
(١) هو الشيخ عبد السلام الكواز (زاد المسافر ، ص ٣١).