ومن معه قال أبو العبّاس الوليد وقد سمعت من شهد ذلك اليوم ـ يعني : يوم قاتل ابن أسيد الخزرفي ولاية بني العبّاس ، قال : وركب ابن أسيد على بغلة له شهباء ، وقد تعبّأ الناس ، وتهيّئوا ووطّنوا أنفسهم على القتال ، وأقبل ابن أسيد على الناس بوجهه ، فوعظهم وحرّضهم وقال لهم في ما يقول : يا معشر المسلمين ، وأبناء المهاجرين ، والشهداء ، إنّ الله قد أنعم عليكم وأحسن إليكم أن رزقكم الله هذا الأجر ، وساقكم إلى هذا الموضع ، وجعلكم ممن يختم عمره بالشهادة في سبيله التي يكفّر بها ذنوبكم ويدخلكم بها الجنّة ، ويزوجكم من الحور العين ، وقابلوا الله في هذه المواطن بالحسنى ، واستحيوا من الله أن يطّلع من قلوبكم على ريبة أو خذلان ، أو فرار من الزحف ، فإنّ الله مقبل عليكم بوجهه ، وقد اطّلعت عليكم الحور العين ، وزخرفت الجنّة ، وأنتم أبناء الشهداء ، ومن فتح الله بهم القلاع والمدائن والحصون ، وجزائر البحور ، وليس موت بأكرم من القتل ، فلا يحدّثن إنسان نفسه أن تزول قدماه من مكانهما لفرار ولا هرب ، فو الله لو فعل ذلك فاعل منكم ليخطفه أهل هذا الجبل ، وهذه الأمم ، ولكانوا أعدى العدو له ، فاستودعوا دماءكم هذه البقعة فإنها بقعة طيبة ، ساقكم الله إليها وأكرمكم بها ، واعلموا أنه آخر يوم من الدنيا وأول يوم من الآخرة ، وإنّما تقاتلون من لا يعرف الله ولا يوحّده ، ومن يعبد الشمس والنار ، ويأكل الميتة ، لا يعرف له ربّا ، نادّا عن التوحيد وأهله ، فلتصدق نيتكم ، وليحسن ظنكم بثواب ربكم ، وإنجاز موعده لكم ، وقد استخلفت عليكم عبد الرّحمن بن أسيد إن أصابتني مصيبة ، ثم تقدم ابن أسيد إلى كلّ جند في الصفّ فكلّمهم بهذا الكلام ، ثم انصرف إلى الميسرة فكلّمهم بمثل ذلك ، ثم رجع إلى موضعه ، فنزل عن دابته ، وذكر الحديث.
قال : ونا ابن عائذ ، أخبرني عبد الأعلى بن مسهر قال : كان على الصائفة في سنة خمس وخمسين ومائة يزيد بن أسيد ، وفي سنة سبع وخمسين ومائة يزيد بن أسيد.
أخبرنا أبو غالب الماوردي ، أنا أبو الحسن السيرافي ، أنا أحمد بن إسحاق ، نا أحمد بن عمران ، نا موسى ، نا خليفة قال (١) : وفيها ـ يعني : سنة خمس وخمسين ومائة ـ خرج يزيد بن أسيد السّلمي ، وهي غزاة دان قشة (٢) بناحية بحر الخزر.
__________________
(١) تاريخ خليفة بن خيّاط ص ٤٢٧.
(٢) بالأصل : «ذاذامسه» وفي «ز» : «ذاد قتيبة» وفي م : «ذاذافسه» والمثبت عن تاريخ خليفة ، ولم أعثر على هذا الموضع.